"الإخوان ركبوا ومش حينزلوا تاني"، هكذا يعبر الثوار عن إحباطهم لانحراف مسار ثورتهم المختطفة، وبمرور الذكرى الثانية للثورة المصرية، تدخل مصر في نفق مظلم، فقطار "الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية"، الذي حلم الثوار بركوبه، حاد عن سكته وسار في دروب الظلام.

Ad

خرجت الثورة من نفق النظام المستبد لتدخل في نفق نظام الطغيان والماضوية، سائرة عكس الطريق مسرعة نحو الهاوية، وهي ديمقراطية "ون وي تيكت" إلى الماضي، إلى حلم حسن البنا الذي نصح مرشد الإخوان في رسالته للقمة الإسلامية باتباع وصيته بإلغاء تعدد الأحزاب!

تلك هي العقلية الدوغمائية هدفها التمكين والاستحواذ والانقضاض على أنقاض الثورة، ووسيلتها نقض الوعود والعهود والدوس على دماء الشهداء. وخان الإخوان الثوار الذين استجدوا دعمهم ووعدوهم بالشراكة والوفاق حين كان مصيرهم معلقاً بيدهم... رغم مطالب وضمانات وثيقة إنقاذ الثورة (أثناء جولة الإعادة بين محمد مرسي وأحمد شفيق) إلا أن غدر الزمان ملأ المكان، منذ عقدهم الصفقات واقتسام السلطة مع المجلس العسكري، الذي تلاقت معه المصالح والأهداف، فالعدو المشترك التيار الثوري المدني، الذي ضل طريقه، كان تياراً مبعثراً يفتقر إلى التنظيم.

تأتي اليوم القوى المدنية لتقول لهم إن "العقد شريعة المتعاقدين"، فالشرعية التي أعطتها للرئيس كانت نظير العهود التي قطعها على نفسه، إلا أنه أعطى نفسه سلطات واسعة ووضع نفسه فوق القانون... دون اتعاظ من دروس سقوط النظام السابق الذي يترحم عليه البعض ويحن لاستقراره، وهو استقرار زائف حمل الحمم المستقرة تحت الأرض إلى أن تراكمت وانفجر بركانها غضباً... فالشارع يغلي سخطاً على حكومة يدها مخضبة بالدماء، تمارس العنف والقتل والسحل والاعتقال والتعذيب، وغضباً من فشل إدارة الدولة وانهيار الاقتصاد والغلاء الفاحش، ورفضاً لمنهجية أخونة مؤسسات الدولة، وفرض دستور مفصل على الثوب الإخواني، بعيداً عن مفهوم التوافق الوطني... ومع ذلك يكمل النظام في دروب التيه والمراهقة السياسية والقمع، بحجة أن المعارضين أعداء الإسلام المتآمرين الذين لا يقبلون بالشرعية، وما هي في الواقع إلا فاشية دينية استئصالية متسربلة بثياب ديمقراطية الذهاب بلا عودة.

لقد حل شتاء مصر القارس وليله الطويل، وهبت رياح التغيير الجارفة... فهل تذهب أحلام الحداثة والمدنية مع الريح؟ أم أن ثمارها ستؤتى بعد حين بثورة ثقافية فكرية؟ الحقيقة المرة أن مشوار التغيير طويل والطريق وعر والمخاض عسير... فهل سنردد يوماً مع فيروز "مصر عادت شمسك الذهب تحمل الأرض وتغترب... مصر يا شعباً جديدُ غدٍ صوب وجه الشمس يغترب"؟