تتداخل اليوم أساليب التحليل السياسي ونظرياته لقراءة مستقبل العلاقات الدولية، والسبب بكل بساطة هو تجاوز مرحلة الخروج من الحرب الباردة والانحياز الأيديولوجي للدول الكبيرة، وعدم انحياز الدول الصغيرة الحجم للأقطاب المتنافسة، والدخول في مرحلة صراع الحضارات وتشابك الخطوط الجيوسياسية.
واليوم عادت مصطلحات التسعينيات كأدوات تحليلية لمحاولة فهم التقارب الأميركي الإيراني وإعادة تمكين إيران من المجتمع الدولي، وأبرزها سياسة "تحويل عدو الأمس إلى صديق اليوم أو الغد"، والتي ابتدعتها الدول الأوروبية بعد انتهاء الحرب الباردة لاستقطاب دول شرق أوروبا واجتذابها عبر الدبلوماسية الناعمة للانضمام "المشروط" لتكتل إقليمي أوروبي، الأمر الذي أدى إلى تغيير سلوك الدول والاندماج في الكيان الجديد. وهذا يدفعنا للاقتناع بأنها أصبحت نهجاً دولياً، وهو الاستقطاب المشروط بإمكان تطبيقه في مناطق أخرى من العالم، وفي السياق ذاته نستطيع متابعة المؤشرات الخاصة بتحول السياسة الخارجية الأميركية تجاه منطقة آسيا بشكل عام وإيران "أخيراً" بشكل خاص. من الملاحظ اهتمام أوباما بتحسين العلاقات مع الصين في فترة توليه الرئاسة رغم امتعاضها من اقترابه من تايوان لبناء العلاقات، بالإضافة الى انتقادات هيلاري كلينتون حول افتقار الصين لحرية المعلومات المتداولة عبر الإنترنت، واستمرت عملية بناء العلاقات عبر تفعيل دبلوماسية "الحلفاء"، أي الاستثمار بعلاقة الولايات المتحدة بحلفائها بآسيا.أما فيما يخص المنافسين، أو كما يحلو للبعض تسميتهم بأعداء الأمس، فقد يبدو أن واشنطن تطبق سياسة الاحتواء، نحو أكثر من دولة وأبرزها روسيا والصين بل حتى إيران، باتباع سياسة الاستقطاب المشروط واستراتيجيته، وقد تكون مؤقتة ومتجددة تتمحور حول مواقف مشتركة تجاه قضايا معينة كالموقف الأميركي الروسي تجاه سورية أخيراً، أو ترتكز حول الدبلوماسية المباشرة كإعلان الولايات المتحدة اهتمامها بتحسين العلاقات بحذر مع الصين. لذلك عندما ننظر إلى وضع إيران ونأخذ بعين الاعتبار سيناريو الاحتواء الذي تطرحه أميركا ويطرحه المجتمع الدولي الآن فلا بد أن يتبادر للأذهان سلوكيات السياسة الخارجية الإيرانية خلال فترة الحرب الباردة تجاه دول الخليج، وبالتالي تباين مواقف دول الخليج تجاه إيران رغم خطاب روحاني المعتدل. لذا، فإن مشاعر انعدام الثقة والخوف من تصدير الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية بالإضافة إلى "التشنجات الثقافية" بين الحين والآخر تشكل عقبة أمام بناء جسور الثقة بين طرفي الخليج العربي. وأخيراً، فإن منطقة الخليج لها قيمة استراتيجية وجيوبوليتيكية واقتصادية متميزة وستبقى ركيزة من ركائز التوازن العالمي، وتحويل عدو الأمس إلى صديق المستقبل، بالإضافة إلى تكريس القانون الدولي في كبح جماح إيران ببناء مفاعلها النووي، فالهدف هو إبعاد شبح التأزيم وتحويل المنطقة إلى شبكة من العلاقات الاقتصادية المتكاملة.كلمة أخيرة: تقبل الله طاعتكم جميعاً وكل عام وأنتم بخير.
مقالات
عدو الأمس وصديق الغد
15-10-2013