لم تصل المسألة إلى مستوى محاكاة الهوس والاندفاع صوب عمليات التنقيب عن الذهب واستخراجه، لكن إطلاق ثاني مشروع برأسمال مشترك يستهدف التعدين والتنقيب عن المعادن في الكويكبات في غضون سنة واحدة، يشير إلى إغراء قوي في هذا الاتجاه يصعب مقاومته مثلما كانت الحال مع هوس البحث عن الذهب على ضفاف نهر كلونديك في قارة أميركا الشمالية في أواخر القرن التاسع عشر.

Ad

قبل أشهر أعلنت شركة حديثة العهد يطلق عليها "ديب سبيس إندستريز" (صناعات الفضاء العميق) دخولها حلقة السباق لتنضم بذلك إلى شركة "بلانيتري ريسورسيز" (موارد الكواكب)، وهي شركة مدعومة من لاري بيدج وإريك شميدث من مؤسسي شركة "غوغل" العملاقة، والتي انطلقت في السنة الماضية، وتعد بإطلاق أول مركبة فضائية إلى المدار الخارجي لاصطياد الكويكبات الصغيرة الهائمة في الفضاء بحلول أواخر سنة 2014.

الثروة المحتملة مجزية وهائلة وفلكية بمعنى الكلمة، وقد يشتمل كويكب واحد غني بالمعادن وبطول يصل إلى 500 متر فقط، على ما يعادل كل ما تم تعدينه عالمياً من معدن البلاتين حتى اليوم.

 – كما يمكن أن توفر الأجسام الجليدية الفضائية كميات من الماء المطلوبة لدعم رواد الفضاء، أو أن تتم معالجتها كي تتحول إلى وقود تزود بها صواريخ تقوم برحلات المستقبل إلى كوكب المريخ.

قد تكون لدى شركة "ديب سبيس إندستريز" أفكارها الكبيرة، لكن بدايتها صغيرة على أي حال، فهي أصغر في حقيقة الأمر حتى من "بلانيتري ريسورسز". وتستهدف الشركة جمع 3 ملايين دولار خلال السنة الجارية من المشاركين في رأسمال المشروع، ومن الحالمين المقتنعين بالفكرة، وصناديق حقوق الملكية الخاصة، إضافة إلى جمع 10 ملايين دولار أخرى في السنة المقبلة. وسوف تنفق هذه المبالغ على تصميم ثلاث مركبات فضائية وتصنيعها وإطلاقها دفعة واحدة إلى الفضاء، ويطلق على المركبة "فاير فلاي"، والتي ستقوم بإجراء تجارب على سطح الكويكبات الصغيرة في الفضاء الخارجي.

ومن جانبها، تعتزم "بلانيتري ريسورسيز" البدء بإطلاق مجموعة أبراج ثابتة متعددة من مركبات فضائية إلى المدار الخارجي حول الأرض، ومن المنتظر أن تستغرق سنوات عدة في مراقبة ورسم خرائط للصخور المجاورة لكوكب الأرض وتحديد مواقعها وخواصها.

وتتمحور الفكرة حول صنع "فاير فلاي" بتكلفة رخيصة، وإجراء اختبارات مكثفة، واستخدام مكونات تجارية غير متعارف عليها بدلاً من الإلكترونيات المصنعة حسب الطلب. ومن أجل تقليص التكاليف بصورة أكبر سيحلق مسبار "فاير فلاي" محملاً بحمولات أكبر وفق رحلات مبرمجة ومنتظمة. ويأمل رئيس "ديب سبيس إندستريز"، ديفيد غامب، أن يتمكن من اجتذاب رعاية مؤسساتية لأول رحلاته، ويعول أيضاً على الحصول على دعم من وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، وربما من المؤسسات الفضائية المناظرة في دول أخرى.

لدى غامب تصور خاص في هذا المضمار، فقد شارك قبل خمس سنوات في تأسيس "أستروبوتيك تكنولوجي"، وهي شركة تمكنت من حجز مكان لها في المهمة الفضائية المعروفة بـ"سبيس فالكون 9" للقيام برحلة إلى القمر على متن صاروخ يطلق عليه "بولاريس".

وإذا سارت الأمور حسب الخطة المرسومة، فمن المقرر أن ينطلق "بولاريس" في أكتوبر من عام 2015 في مهمة باتجاه واحد محملاً بمعدات وتجهيزات وكالة "ناسا" من أجل رصد مياه وأكسجين وميثان في القطب الشمالي على سطح القمر. وقد استفاد مشروع "بولاريس" من عقود من "ناسا" بتمويل قيمته 3.6 ملايين دولار، ويأمل رئيس "ديب سبيس إندستريز" أن تتمكن شركته من إبرام صفقات مماثلة، ولاسيما أنه ليس هناك من جهة أو فرد فكر في دراسة وبحث الكويكبات الصغيرة التي يعتزم "فاير فلاي" زيارتها... ويشير غامب إلى أن وكالة "ناسا" تبدي اهتماماً بالعملية.

وفي حال نجاح مهمة "فايرفلاي" سيعقبها رحلة تقوم بها مركبة فضائية أكثر تقدماً وتطوراً يطلق عليها "دراغون فلاي"، وهي تعمل بالروبوت، ويأمل رئيس الشركة أن يتم إطلاقها في عام 2016 وستحاول رصد كويكب صغير والعودة إلى الأرض بعينة من على سطحة زنتها تتراوح ما بين 25 و65 كيلوغراماً خلال ثلاث إلى أربع سنوات.

إذا كان كل ما أشير إليه من خطط يبدو بعيد المنال، فلأنه في حقيقة الأمر صعب المنال... فهناك مركبة الفضاء "ستارداست" التي أطلقتها وكالة "ناسا"، ومركبة "هايابوسا" التي أطلقتها وكالة اليابان للفضاء، قطعت الرحلة مرتين فقط لتعود بحفنات ضئيلة من التراب الفضائي.

تفترض شركة "ديب سبيس اندستريز" أنها ستستخدم طابعة ثلاثية الأبعاد على هيئة روبوت في عمليات التنقيب الفضائي المزمعة... لكن هل بقي هناك خيال أبعد من ذلك؟!

وحسب الشركة، فإن من المنتظر أن يلتقط الروبوت في أحد أطرافة صخور الكويكبات المليئة بالنيكل وعلى الطرف الآخر ستقوم بتحريك أجزاء المركبة الفضائية بقوة في الفضاء... وعلى أي حال لم يكشف الستار عن أي تكنولوجيات تابعة للشركة حتى الآن.

ما هو أكثر أهمية في تلك المسألة، أن الجانب الاقتصادي الذي يحيط بعمليات التنقيب عن المعادن على سطح الكويكبات السيارة في الفضاء، لايزال يكتنفه الغموض ويفتقر إلى الوضوح والعقلانية. لكن مضاعفة حجم المعروض من البلاتين القادم من الفضاء سيلقي بضغوط هائلة على أسعاره على الأرض، فضلاً عن الإضرار بقطاع التعدين وبالمشروع الفضائي المشترك نفسه.

من المرجح أن تبقى مسألة التنقيب عن المعادن على سطح الكويكبات الفضائية ضرباً من ضروب الخيال العلمي لفترة من الزمن قد تطول!