الإعلام بين العداء والغباء
إصرار الإعلام الانقلابي على تقسيم المصريين إلى فئتين صالحة وشريرة، والمواطنين إلى أمين وخائن، وكذلك الإصرار أن كل من هو ضد الانقلاب إرهابي ومن يرفض حكم العسكر عدو للوطن، وتكرار تلك الأكاذيب ليل نهار عملا بمبدأ "الزن على الودان" كل ذلك- بعيداً عن الشك في نواياه- يثبت أن الأذرع التي زرعها السيسي في الإعلام منذ ديسمبر 2012، كما ثبت من الفيديو المتداول قد أنبتت ونمت واكتملت جسداً كاملاً يحركه يميناً ويساراً كما يشاء، ولكنه للأسف جسد مشوه ومسخ دميم لا يليق بمصر ومكانتها.بأي حق يدعو الإعلام إلى حرمان بعض المصريين من المشاركة في احتفالات أكتوبر؟ بأي صفة يجعلون حرب أكتوبر العظيمة حرباً خاصة بمجموعة من المصريين دون أخرى؟ ألا يعتبر هذا بثاً للفتنة وتحريضاً على الكراهية؟ كيف يمكن وصف نصف المصريين بأنهم إرهابيون؟ وأي تعريف هلامي للإرهاب ذلك الذي يعتمدونه بعد أن صدره إليهم بوش الثاني العظيم؟
إن الكثيرين من رافضي الانقلاب ومعارضي السيسي شاركوا في حرب أكتوبر، وكم من مؤيد لـ"الإخوان" قدم روحه فداء لهذا الوطن العظيم، أيأتي الآن ذلك المسخ الإعلامي ليقرر حرمانهم من حقهم في المشاركة في احتفالات النصر لمصرنا الحبيبة وطننا الغالي الذي لا يعرف هؤلاء قيمته، ويوماً ما سيذهب هؤلاء جميعا ومن زرعهم وستبقى مصر عزيزة كريمة أبية عظيمة.إن إحدى القيم العظيمة والدروس الرفيعة لحرب أكتوبر أنها وحدت المصريين جميعاً على اختلاف أفكارهم وميولهم وآرائهم ومعتقداتهم، فكانوا نسيجاً واحداً متماسكاً غير قابل للهزيمة والانكسار.واليوم يأتي أبناء ذات الجيش الذي حقق الانتصار ووحد المصريين وبمساندة الإعلام الغبي ليقسم المصريين، ويفرقهم وينشر الحقد والضغينة بينهم، ويحرضهم على قتل بعضهم بعضا، أي جريمة يرتكبها أبناء الجيش وأي عار يلحقهم وهم للأسف يرتدون ذات البدلة التي ارتداها شهداء أكتوبر. هل يعقل هذا؟ هل يتصوره أحد؟ لمصلحة من بث الفرقة والتحريض على القتل وإعلان الفرح وإطلاق الأهازيج والأغاني لمقتل مصريين بأيدي مصريين؟! لم تشهد مصر منذ أكثر من 50 عاماً مثل هذا الإعلام الغبي الذي يعادي المصريين، ويدعو نصفهم للقضاء على نصفهم الآخر (لن ندخل في متاهات الأرقام وعدد الرؤوس)، ولكن السؤال إلى ماذا يهدف هذا الإعلام؟ وما الذي يخطط له؟ وإلى أين يقود الوطن؟ وهل للوطنية صكوك يحملها الإعلاميون يهبونها لمن يحبون؟ ويمنعونها عمّن يريدون؟ لا يا سادة وألف لا، فالمعارضون مصريون رغم أنوفكم جميعاً، ولن تسحب جنسياتهم وإن سحبتموها فحب مصر في قلوبنا أكبر من ادعاءاتكم وأغانيكم ورقصكم.لا يمكن وصف من يرفض حكم العسكر بالإرهاب... هل كل من يعارض خائن وعميل؟! وهل وصل الغباء والعداء إلى هذه الدرجة؟ لقد تم بعد الانقلاب إغلاق الكثير من الفضائيات بدعوى أنها تحرض على العنف وتثير الفتنة، وأن الإغلاق "مؤقت"! ولو تجاوزنا عن موضوع "مؤقت" هذا وتساءلنا هل الإعلام الحالي يدعو إلى الفتنة أم للمصالحة؟ وهل يحرض على العنف والكره أم يدعو للسلام والمحبة؟ فبماذا يمكن للعاقل أن يصف هذا الإعلام؟لقد فقد الإعلام أول مقوماته وأبسط مبادئه وأقوى دعائمه "الأمانة في نقل الخبر"... فكم خبراً منذ الانقلاب إلى الآن تم تشويهه وبتره؟ بل كم خبراً لم ينقل أصلاً؟! وأصبح المواطن يتعجب أين ما يراه أمامه في الشارع؟ وما علاقة ما يشاهده تلفزيونياً ويسمعه إذاعياً بما يراه أمامه واقعياً؟أي مهنية هذه؟ وأي حرفية يتحدثون عنها؟ وأي حرية يتشدقون بها؟وإلى مقال آخر إن كان للحرية متسع.