التحول في ميزان القوة الاقتصادية العالمية عميق، وهو تحول يتوقع الاقتصاديون أن يستمر، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع حصة الاقتصادات الناشئة من الناتج العالمي إلى 55 في المئة بحلول عام 2018، ما يجعل وصف «الناشئة» في غير محله بصورة متزايدة.

Ad

هذه السنة ستكون محورية بالنسبة للاقتصاد العالمي، فللمرة الأولى منذ أن دفع التحول إلى الآلة ببريطانيا إلى مسار التصنيع في القرن التاسع عشر، ستنتج الاقتصادات الناشئة غالبية السلع والخدمات في العالم. وكان سكان الاقتصادات المتقدمة الغنية يمثلون منذ فترة طويلة نسبة كبيرة من الناتج العالمي، لكنها نسبة تأتي من فئة صغيرة من سكان العالم. وهم الآن أقل أهمية من الناحية الاقتصادية من مجموعة الناس الذين يعيشون في بلدان العالم الفقيرة ومتوسطة الدخل.

هذا التحول في ميزان القوة الاقتصادية العالمية عميق، وهو تحول يتوقع الاقتصاديون أن يستمر، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع حصة الاقتصادات الناشئة من الناتج العالمي إلى 55 في المئة بحلول عام 2018، ما يجعل وصف «الناشئة» في غير محله بصورة متزايدة.

ورغم ان مستويات المعيشة تظل في البلدان المتقدمة أعلى خمس مرات، فإن الفجوة أخذت تضيق بسرعة منذ عام 1990. وفي البلدان التي كان الدخل يسير فيها جنباً إلى جنب مع النمو، أصبح العنوان الآن هو اللحاق. وإضافة إلى حصة النصف التي تمتلكها البلدان الناشئة من الناتج العالمي، من المتوقع أن تعتمد ثلاثة أرباع النمو الاقتصادي على حيويتها الكبيرة خلال السنوات الخمس المقبلة.

جيم أونيل، الذي تقاعد قبل فترة من منصب كبير الاقتصاديين في بنك غولدمان ساكس، يحب استخدام مقارنة صارخة للتعبير عن التحول. فهو يقول إن النمو السنوي بمعدل 8 في المئة في الصين يعادل الآن في أهميته نسبة نمو مقدارها 4 في المئة في الولايات المتحدة. وهذا تباين حاد مقارنة بعام 1980، حين كانت الصين تسجل معدلات نمو أسرع حتى من الآن، لكنها كانت نسبيا مثل السمكة الصغيرة. في 1980 كانت نسبة نمو بمعدل 10 في المئة أقل أهمية من 1 في المئة في الولايات المتحدة.

حصة الفرد

والمشوار الطويل إلى البروز بالنسبة للاقتصادات خارج مجموعة السبع -الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا- ليس فيه مفاجأة. فقد كان النمو أقوى في البلدان الناشئة لأكثر من 30 سنة، وكانت مستويات حصة الفرد تلحق بالدول المتقدمة خلال الـ20 سنة الماضية.

وهذا الأداء المتفوق يصبح لافتاً للنظر بصورة أقوى حين ينظر إليه من خلال إطار زمني أطول. وقد رصد معهد ماكينزي العالمي التحول في مركز الثقل بالنسبة للاقتصاد العالمي للعالم الاقتصادي، مبينا أنه كان في شمال آيسلندا في منتصف الأطلسي الشمالي في 1950. وبعد ذلك، حين بدأت اليابان في الانطلاق، أخذ في التباعد عن الولايات المتحدة متوجهاً نحو الشرق. وهو الآن يتحرك بسرعة باتجاه الجنوب الشرقي، حيث انتقل خلال العقد الماضي مسافة تزيد على أي عقد آخر. وبحلول عام 2025 سيكون قريباً من نوفوسيبيرسك في جنوب غربي سيبيريا.

وقال ريتشارد دوبز، وهو عضو في مجلس إدارة معهد ماكينزي: «التطور والتحول الاقتصادي الصيني باتجاه المدن يحدث بمعدل أكبر مئة مرة من حجم التحول في بريطانيا، وهو أول بلد يتحول للاتجاه الحضري والصناعي، وأسرع عشر مرات تقريبا، وبالتالي الثورة الصناعية الصينية تمتلك زخماً أقوى ألف مرة من الثورة الصناعة البريطانية».

هذا التحول في الداينميات الاقتصادية العالمية سار في أطوار محددة خلال السنوات الـ30 الماضية، ففي منتصف الثمانينيات كانت البلدان الكبيرة المتقدمة لاتزال تهيمن على النمو العالمي. وكانت الولايات المتحدة تشكل نسبة الثلث تقريباً، والاتحاد الأوروبي نحو 20 في المئة، وكانت ستة بلدان من مجموعة السبع ضمن قائمة أكبر عشرة بلدان لها أكبر إسهام في النمو العالمي (فقط فرنسا كانت خارج القائمة)، وكان هناك تعبير شائع يقول إذا عطست الولايات المتحدة فإن بقية الاقتصاد العالمي ستصاب بالزكام.

بيانات صندوق النقد

وتم حساب هذه الأرقام باستخدام بيانات صندوق النقد الدولي، وهي تستند إلى القوة الشرائية للدولار بالنسبة للعملات المحلية، وبالتالي كان هناك وزن مماثل لصعود مكافئ في كمية السلع والخدمات المنتجة في بلدان مختلفة.

وبحلول منتصف التسعينيات، كان عمالقة الاقتصاد العالمي السابقون يخرجون من «الدوري الممتاز». ولم تعد ألمانيا وإيطاليا تمتلك مرتبة تخولها أن تكون من بين أعلى عشرة بلدان في النمو الاقتصادي، وتراجعت أهمية اليابان أكثر من النصف. ودخلت القائمة المكسيك وإندونيسيا، وهي علامة على أن كون البلد ناميا وذا كثافة سكانية عالية يضعه على طريق يقود بالتأكيد إلى الصعود ودخول دوري الكبار.

وفي السنوات السابقة على أزمة 2008-2009 برزت الصين لتكون حتى ذلك الحين أكبر مصدر للنمو، واكتسحت الرسوم البيانية لتصل المرتبة الرابعة، على خلفية التصاعد في إنتاج السلع والأسعار.

وكانت بريطانيا موجودة في قائمة أعلى عشرة بلدان، بعد أن تمتعت بـ30 سنة من اللحاق بالنمو في أعقاب الانتعاش من كونها رجل أوروبا المريض، لكنها تبدو في سبيلها إلى الخروج من عصبة الدوري الممتاز بين 2012 و2017. وستكون قائمة أعلى عشرة بلدان من حيث حصة البلد في النمو العالمي قد انتقلت تماماً خارج أوروبا، ومن المتوقع أن يشكل الاتحاد الأوروبي كله ما نسبته 5.7 في المئة فقط من النمو العالمي. وستشكل الهند والصين معا تقريبا نصف التوسع الاقتصادي العالمي.

وبلغ هذا التحول في القوة الاقتصادية حدا جعل أي شركة تركز جهودها في الاقتصادات الراسخة، هي فعلا شركة تعيش في الماضي.

(فايننشال تايمز)