أدى انهيار بنك "ليمان براذرز" العالمي في سبتمبر من عام 2008 إلى ما هو أشبه بانهيار للنظام المالي في العالم. ثم احتاج الأمر إلى عمليات إنقاذ ضخمة بتمويل من دافعي الضرائب لدعم تلك الصناعة، حتى في هذه الحال، فإن الانهيار الذي أعقب ذلك على صعيد الائتمان قد حول ما كان يعتبر انكماشاً سيئاً إلى أسوأ ركود شهده العالم على مدار 80 عاماً.

Ad

ومنعت عمليات واسعة من التحفيز النقدي والمالي حدوث كساد شديد، غير أن التعافي يظل ضعيفاً مقارنة مع المسار التصاعدي الذي شهدته فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في أعقاب حقبة "الكساد العظيم" السابقة.

لا يزال الناتج المحلي الإجمالي في العديد من الدول الغنية دون مستوى الذروة الذي وصله في فترة ما قبل الأزمة، خصوصاً في أوروبا، حيث تطورت الأزمة المالية إلى أزمة في منطقة اليورو. ولا تزال تأثيرات الانهيار تعصف بالاقتصاد العالمي: انظروا إلى ارتباك الأسواق المالية وتأرجحها مع إعلان مجلس الاحتياط الفدرالي الأميركي استعداده لتقليص سياسة التيسير الكمي وتقليل جهوده الرامية إلى دفع النمو عبر شراء السندات.

«الاعتدال الكبير»

بعد مرور خمس سنوات من الإدراك المتأخر لطبيعة الأزمة، تبين أن للأزمة أسبابها المتعددة، وكان السبب الأكثر وضوحاً الممولين ورجال التمويل أنفسهم- خصوصاً ذلك النوع الأنغلوساكسوني المفرط في سخائه- الذين يزعمون أنهم عثروا على طريقة من أجل لتفادي المجازفة فيما فقدوا ببساطة أثرها ومسارها.

ويقع اللوم أيضاً على محافظي المصارف المركزية وغيرهم من المنظمين لأنهم كانوا من تحمل هذه الحماقة، وقد انطوت تداعيات الأزمة على الاقتصاد الكلي على أهمية أيضاً، وعززت سنوات التضخم المتدني والنمو المستقر أو ما يعرف باسم "الاعتدال الكبير" حالة الانصياع واتخاذ مسار المجازفة. كما ساهمت "وفرة المدخرات" في آسيا بخفض معدلات الفائدة العالمية. وتشير بعض البحوث بأصابع الاتهام أيضاً إلى البنوك الأوروبية وتورطها في الأزمة باقتراضها الجشع من أسواق المال الأميركية قبل الأزمة ثم استخدام تلك الأموال في شراء أوراق مالية مشبوهة وتنطوي على عمليات احتيال. واجتمعت كل تلك العوامل معاً لتزيد من تفاقم أزمة الدين وتصاعدها في ظل عالم غدا أقل رغبة في المجازفة.

افتراضات خاطئة

ولنبدأ بحماقات الممولين؛ فقد شهدت سنوات ما قبل حدوث الأزمة طوفاناً من عمليات الإقراض الطائشة للرهونات العقارية في الولايات المتحدة، إذ جرى تقديم قروض إلى مقترضين غير أكفاء للرهونات العقارية "الثانوية" ممن لديهم تاريخ ضعيف ائتمانياً وكانوا يجدون مشقة كبيرة في تسديد التزاماتهم.

ثم انتقلت هذه الرهونات التي تنطوي على مجازفة إلى "المهندسين الماليين" في البنوك الكبيرة التي حولتها إلى أوراق مالية وأذون يفترض أنها متدنية المخاطر من خلال وضع أعداد كبيرة منها في حزم خاصة مجمعة- تنجح هذه الطريقة عندما تكون المجازفة في كل قرض غير مترابطة. وقد ارتأت البنوك الكبرى أن أسواق العقارات في المدن الأميركية المختلفة سوف ترتفع وتهبط بصورة منفصلة ومستقلة عن بعضها بعضا... غير أن ذلك افتراض خاطئ، فاعتباراً من عام 2006 عانت الولايات المتحدة انحساراً في أسعار المنازل على مستوى البلاد.

ثم استخدمت الرهونات العقارية المجمعة من أجل دعم أسهم ما يطلق عليه "التزامات الديون المضمونة" (CDOs) والتي تم تقسيمها إلى شرائح وفقاً لدرجة انكشافها على التخلف عن السداد. وعمد المستثمرون إلى شراء الشرائح الأكثر أمناً لأنهم كانوا يثقون بالتصنيف الائتماني المتفوق ذي العلامات AAA الذي اعتادت أن تصدره لها وكالات مثل "موديز" و"ستاندرد أند بورز"... وكانت تلك غلطة أخرى، فتلك الوكالات تتقاضى أموالاً من البنوك التي أوجدت "التزامات الديون المضمونة" CDOs، وترتبط معها بمصالح قوية وممتنة للأموال التي تتدفق عليها، لذا كانت سخية جداً في تصنيفاتها لتلك الالتزامات.

صيد الأصول الخطرة

وقد سعى المستثمرون وراء تلك المنتجات الآمنة لأنها بدت آمنة بصورة نسبية فيما كانت تقدم عوائد أعلى مما هو سائد في العالم، حيث تتدني معدلات الفائدة إلى مستويات منخفضة للغاية. وحتى الآن لا يزال خبراء الاقتصاد مختلفون بشأن ما إذا كانت تلك المعدلات المتدنية للفائدة قد جاءت بسبب أخطاء مسؤولي البنوك المركزية أم بسبب تحولات أوسع في الاقتصاد العالمي، فبعض هؤلاء الخبراء يتهم مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي) الأميركي بإبقاء معدلات الأجل القصير متدنية إلى حد كبير، وقد جرفت معها معدلات الرهن العقاري الطويلة الأجل.

أما المدافعون عن مجلس الاحتياط الفدرالي فينحون باللائمة على وفرة المدخرات، وهو ما اعتبروه تخمة شديدة في المدخرات فاقت مستويات الاستثمار في الاقتصادات الناشئة، خصوصاً في الصين. وقد تدفقت تلك الاستثمارات ورؤوس الأموال على سندات الحكومة الأميركية الآمنة ما دفع معدلات الفائدة الى الانخفاض.

خلقت معدلات الفائدة المتدنية محفزات للبنوك وصناديق التحوط والمستثمرين الآخرين بغية تصيد أصول أكثر خطورة ومجازفة تقدم عوائد أعلى، كما أنها جعلت منها أدوات مربحة بقدر أكبر كي تتمكن من توسيع وتضخيم عمليات الاقتراض واستخدام الأموال النقدية الإضافية من أجل زيادة استثماراتها، على افتراض أن العوائد الناتجة سوف تتجاوز تكلفة الاقتراض، وأفضى التقلب المتدني لـ"الاعتدال الكبير" إلى زيادة الإغراء بمدى "فعالية" هذه الطريقة، فإذا كانت معدلات الفائدة القصيرة الأجل متدنية ولكنها متقلبة، فإن المستثمر سوف يتردد قبل أن يقدم على ممارسة رهانه في هذا الإطار، ولكن إذا بدت تلك المعدلات مستقرة، فإن المستثمر سوف يجازف بالاقتراض من أسواق المال من أجل شراء أوراق مالية وأذون ذات آجال أطول وأعلى ربحية. وهذا هو ما حدث في حقيقة الأمر.

من المنازل لأسواق المال

عندما تحول مسار سوق الإسكان في الولايات المتحدة طرأت سلسلة من ردود الفعل التي كشفت عن هشاشة النظام المالي، ولم توفر عمليات تجميع الديون في صورة أذون وأوراق مالية مضمونة وغيرها من السبل المالية البارعة للمستثمرين الحماية التي وعدوا بها. ثم هبطت قيمة الأوراق المالية المدعومة برهونات عقارية- هذا إذا كان لها أن تحتفظ بأي قيمة على الإطلاق، وأصبحت "التزامات الدين المضمونة" CDOs المفترض تمتعها بالأمان اللازم، غير موثوقة ولا قيمة لها في الأسواق، على الرغم من حصولها على ختم القبول من وكالات التقييم الدولية، وبات من الصعب بيع الأصول المشبوهة غير الموثوقة تقريباً بأي سعر، أو حتى استخدامها لضمان تمويلات قصيرة الأجل من تلك النوعية التي تعتمد عليها المصارف. وبدأت عمليات بيع نارية وفي المقابل حدثت تراجعات متتالية في رؤوس أموال البنوك بفعل قواعد المحاسبة المعروفة والتي يطلق عليها "الاحتكام إلى السوق"، والتي تتطلب إعادة تقييم أصولها في ضوء الأسعار الحالية والاعتراف بتسجيل وادراج تلك الخسائر في دفاترها والتي قد لا تكون ضمن الخسائر المحققة في الواقع.

وبدأت صناديق الائتمان، التي كانت تعرف بأنها المادة اللاصقة الفورية التي تدعم روابط الأنظمة المالية، في التفكك في سنة 2007، أي قبل سنة من إعلان بنك "ليمان براذرز" إفلاسه، وذلك نتيجة تشكيك البنوك في قدرة تلك الجهات والكيانات على الاستمرار. ثم بدأت تلك الصناديق وغيرها من مصادر التمويل بالجملة في حجب عمليات الائتمان قصيرة الأجل، وأفضى ذلك إلى انهيار الجهات التي كانت تعتمد عليها بقدر كبير، وكانت "نورثرن روك"، وهي مؤسسة إقراض رهونات عقارية بريطانية من بين أولى ضحايا هذا التطور وذلك في خريف سنة 2007.

السلسلة المعقدة من الديون بين الأطراف المتباينة كانت عرضة لانهيار إحدى حلقاتها فقط، والأدوات المالية مثل مبادلات التخلف الائتماني (التي يوافق فيها البائع على تقديم تعويض إلى المشتري في حال تعثر طرف ثالث عن دفع مبلغ القرض) التي كانت تستهدف توزيع المخاطر وتقاسمها، تبين أنها تسهم في تركيزها وتفاقمها، وعلى سبيل المثال فإن شركة "إيه آي جي"، وهي شركة تأمين أميركية عملاقة، انتكست بعد أيام فقط من إشهار بنك "ليمان براذرز" إفلاسه وذلك نتيجة عمليات حماية مخاطر الائتمان الواسعة النطاق التي كانت باعتها. ثم تبين أن النظام برمته يقوم على أسس وركائز واهية: فقد سمحت البنوك لميزانياتها بالتضخم (كما هو واضح في الشكل رقم 1)، ولكنها لم تحتجز سوى قدر ضئيل جداً من رؤوس الأموال كمخصصات تعمل على استيعاب الخسائر المحتملة. وبشكل فعلي فإن تلك البنوك كانت تراهن على نفسها بأموال مقترضة، وهي مقامرة كانت مجدية في الأوقات الجيدة، غير أنها أفضت إلى نتائج كارثية في الأوقات السيئة القاسية.

إهمال الوقائع وتجاهلها

كان الفشل التمويلي في صلب حالة الانهيار، غير أن المصرفيين لم يكونوا وحدهم الذين يتحملون المسؤولية أو تنحي عليهم اللائمة بمفردهم، فمحافظو البنوك المركزية وغيرهم من الهيئات التنظيمية يتحملون المسؤولية أيضاً بسبب سوء معالجتهم للأزمة المالية، ولإخفاقهم في احتواء التباين الاقتصادي، ولفشلهم في ممارسة الرقابة اللازمة والصحيحة على المؤسسات المالية.

كان خطأ المنظمين الأكثر دراماتيكية هو السماح بإفلاس بنك "ليمان براذرز"، فقد ضاعف ذلك من مشاعر الذعر والهلع في الأسواق. وفجأة لم يعد أحد يثق بالآخر وبالتالي أحجم الكل عن الإقراض. كما أن الشركات غير المالية، التي لم تكن قادرة على التعويل على إمكانية الاقتراض من أجل الدفع إلى مورديها أو عمالها، عمدت إلى تجميد الإنفاق بغية الاحتفاظ بالسيولة النقدية لديها، وقد أفضى ذلك إلى أزمة في قطاعات الاقتصاد الحقيقي. ومن المفارقات أن قرار التراجع والسماح بإشهار بنك "ليمان براذرز" إفلاسه أدى الى مزيد من التدخل الحكومي وليس العكس. ومن أجل احتواء الهلع الذي استتبع ذلك كان على الجهات التنظيمية إنقاذ العشرات من الشركات الأخرى.

الأبرياء المتورطون

غير أن الجهات التنظيمية ارتكبت أخطاء قبل وقت طويل من إشهار بنك "ليمان براذرز" إفلاسه، ولعل أبرز تلك الأخطاء قد تمثل في السماح بتباين الحسابات الجارية العالمية وفقاعة المنازل التي ساهمت تلك الجهات في تضخيمها. المصرفيون المركزيون كانوا عبروا منذ وقت طويل عن قلقهم إزاء العجز المالي الأميركي الكبير وتهدئة تدفقات رؤوس الأموال الناجمة عن فوائض المدخرات الآسيوية. وقد أشار بن برنانكي إلى قضية وفرة المدخرات في مطلع عام 2005، أي قبل سنة من تسلمه رئاسة مجلس الاحتياط الفدرالي من آلان غرينسبان، غير أن التركيز على صافي التدفقات الرأسمالية القادمة من آسيا ترك بقعة خفية غير منظورة تتمثل بالتدفقات الرأسمالية الأكبر حجماً إلى حد بعيد والقادمة عن طريق البنوك الأوروبية، التي قامت بدورها بشراء الكثير من الأوراق المالية الأميركية غير الآمنة ومولت مشترياتها إلى حد كبير من خلال عمليات اقتراض من صناديق أسواق المال في الولايات المتحدة.

بمعنى آخر، أنه على الرغم من زعم الأوروبيين بأنهم ضحايا أبرياء للفائض الأنغلو- ساكسوني، فإن بنوكهم كانت في حقيقة الأمر ضالعة بقوة في تلك العملية، وقد أفضى إطلاق اليورو إلى توسع هائل في القطاع المالي داخل منطقة اليورو وفي المراكز المصرفية الأخرى المجاورة مثل لندن وسويسرا، وقد ركزت بحوث حديثة أجراها "هيون سونغ شين"، وهو اقتصادي في جامعة برينستون، على الدور الأوروبي في خلق الأزمة، لافتاً إلى أن "التخمة المالية"، التي تسببت في الائتمان الفضفاض في الولايات المتحدة في الفترة التي سبقت اندلاع الأزمة المالية كانت، حسب رأيه، حادثة في قطاع المصارف الدولية وليس في المدخرات العالمية.

والأكثر من ذلك، أن أوروبا كانت تعاني اختلالات داخلية فيما بينها، وقد ثبتت أنها على القدر ذاته من الأهمية لتلك الاختلالات الكامنة بين الولايات المتحدة والصين. وقد تعرضت دول جنوب أوروبا إلى قدر هائل من العجز في الحسابات الجارية خلال العقد الأول من استخدام اليورو، فيما حققت بلدان شمال أوروبا مستويات ضخمة من الفوائض، وتم تمويل هذا التباين عن طريق تدفقات الأموال من قلب منطقة اليورو إلى أسواق المساكن والعقارات المتصاعدة في دول مثل إسبانيا وايرلندا. وكانت أزمة اليورو بهذا الشكل استمراراً للأزمة المالية ولكن بوسائل أخرى في الوقت الذي عانت فيه الأسواق كثيراً من ضعف البنوك الأوروبية التي كانت مثقلة بديون معدومة في أعقاب أزمة العقارات.

البنوك المركزية

كان في وسع البنوك المركزية إجراء المزيد من أجل الجهود لمعالجة هذه الأوضاع كلها، ولم يقم مجلس الاحتياط الفدرالي الأميركي بأي محاولة من أجل احتواء فقاعة المساكن والعقارات، كما أن البنك المركزي الأوروبي لم يفعل أي شيء من شأنه تقييد الارتفاع الحاد في حجم الائتمان وكان يعتقد (بشكل خاطئ) أن التباين في الحسابات الجارية لم يكن ذا أثر في الاتحاد النقدي. أما بنك إنكلترا، الذي فقد السيطرة والإشراف بعد أن تحول إلى هيئة مستقلة في سنة 1997، فقد اعتمد نظرة ضيقة خاطئة إزاء مسؤوليته نحو الحفاظ على استقرار مالي.

ويصر محافظو البنوك المركزية على أنه كان من الصعب التحكم بطفرة المنازل والائتمان من خلال تطبيق معدلات فائدة أعلى. وربما كانت الحال كذلك، ولكن كانت لديهم أدوات تنظيمية أخرى تحت تصرفهم- مثل خفض الحد الأقصى لمعدل القروض إلى القيمة الخاصة بالرهن العقاري، أو الطلب من البنوك تخصيص المزيد من رؤوس أموالها في صورة احتياطيات ومخصصات.

وقد ثبت أن معدلات رؤوس الأموال الرخوة كانت أكبر أسباب للتقصير والإهمال. فمنذ عام 1988 قامت لجنة من محافظي البنوك المركزية والمشرفين خلال اجتماعها في بازل بإجراء مفاوضات حول قوانين دولية للحد الأدنى من رأس المال التي يتعين على البنوك امتلاكها بالتناسب مع أصول البنوك، غير أن تلك القوانين والقواعد لم تحدد مستويات رؤوس الأموال بالدقة الكافية مما سمح للبنوك بتهريب طلبات ديون لم تكن مؤهلة لاستيعاب الخسائر مثلما هي الحال مع حقوق الملكية.

وعملت البنوك تحت ضغط من المساهمين لزيادة العوائد مع الاحتفاظ بأدنى قدر من حقوق الملكية تاركة إياها عرضة للانكشاف في حالة حدوث خطأ ما، ومنذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي سمح للبنوك بشكل متزايد باستخدام نماذجها الداخلية الخاصة في تقييم المجازفة، وهذا يعني بصورة فعلية أن تضع مستوى المتطلبات الرأسمالية بنفسها؛ لذا كان من المتوقع أن تقوم البنوك بتقييم أصولها على أنها آمنة تماماً، والسماح لميزانياتها بالارتفاع من دون زيادة مقابلة في رؤوس الأموال (كما هو مبين في الشكل رقم 2).

ولم تقدم "لجنة بازل" أيضاً على وضع أي قواعد تتعلق بالحصة التي يتعين تسييلها من  أصول البنك، وأخفقت في وضع آلية من أجل السماح لبنك دولي كبير بالانهيار من دون أن تمتد تأثيراته إلى بقية النظام.

الوهم الجماعي

الإصلاحات التنظيمية التي طرحت بقوة من خلال لجنة بازل لم ينظر إليها بالعناية الكافية، حيث أهملها محافظو البنوك المركزية وهو ما تسبب في تفاقم الأوضاع قبل اندلاع الأزمة المالية، ولكن المنظمين والمصرفيين لم يكونوا وحدهم في سوء التقدير والحكم. ففي الآونة التي تحقق فيها الاقتصادات نتائج جيدة تظهر ضغوط سياسية قوية تدعو إلى عدم تعطيل المسار، ومع وجود معدلات التضخم في وضع حرج لم يكن محافظو البنوك المركزية مستعدين للمطالبة باستخدام الأدوات المنطقية المعتادة كي لا تتهم بإفساد الوضع وتفاقمه.

 كما أن طول فترة الاستقرار الاقتصاد وثبات الأسعار أثناء رئاستهم يمنحهم الشجاعة على تقبل المجازفة والمخاطرة، وكما هي الحال في أغلب الأحيان إبان تاريخ الانهيارات المالية انضم المستهلكون أيضاً إلى الوهم الجماعي القائل إن الرخاء المستمر يمكن أن يبنى عبر تكديس المزيد والمزيد من الديون.