الأغلبية الصامتة: قطر... حكم الحاضر والمستقبل

نشر في 27-06-2013
آخر تحديث 27-06-2013 | 00:01
 إبراهيم المليفي تابعت خلال اليومين الماضيين عملية الانتقال المنظمة للسلطة من أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى ابنه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي أصبح منذ يوم الثلاثاء الماضي أصغر حاكم في منطقة الخليج، إذ لم يتجاوز عمره حين تولى مقاليد الحكم 33 عاماً، كما تابعت ردود الأفعال العربية والدولية على تلك العملية غير المألوفة في صحراء العرب.

ونظرا لأهمية ذلك الحدث، فقد تم تناوله بصورة استنفدت كل شيء ولم يتبق أمامي غير زاوية أعتقد أنه من الضروري "الطرق" عليها بقوة، وهي كيفية مواكبة "السلطة الحاكمة" أياً كان نوعها للمتغيرات التي تحدث على الصعيدين المحلي والدولي، ففي الأنظمة الوراثية وهذا ما يعنينا، هناك طرق عدة لانتقال السلطة وأشهرها من الأب إلى ابنه أو من الأخ لأخيه.

 وقد ابتكر مروان بن الحكم طريقة اختيار وليين للعهد دفعة واحدة هما عبدالملك وعبدالعزيز على التوالي، وعندما تولى عبدالملك فكر بخلع أخيه إلا أنه تريث وفضّل مواجهة معارضي الحكم الأموي بأكمله، خصوصاً أن ابنه الوليد ما زال صغيراً وأخاه عبدالعزيز ولي العهد ووالي مصر يؤمّن ظهره بخراج مصر وجنودها فلِمَ العجلة؟

صبر عبدالملك أثمر تثبتت ملكه، وأخوه عبدالعزيز توفاه الله وعين الوليد، ومن بعده سليمان في ولاية العهد، والأخير هو من كسر القاعدة وعين ابن عمه عمر دون علم أحد ولياً للعهد انتقاماً ممن باركوا فكرة عزله لمصلحة ابن أخيه الوليد، وتقديراً لعمر بن عبدالعزيز الذي رفض نقض البيعة لسليمان، وفي أحداث متلاحقة ثبت أن تعدد ولاة العهد كان سبباً مهماً لانهيار الدولة الأموية لأن الشرخ هدمها من الداخل قبل الخارج.

التجربة الأموية لم تكن عبرة كافية للعباسيين الذين كرروا نفس الخطأ الذي تلعب فيه نساء القصر عادة الدور الأساسي؛ لأن كل واحدة منهن أرادت الحكم لولدها بأي ثمن، فالمهدي سمى كلاً من الهادي وهارون الرشيد لولاية العهد على التوالي، وكالعادة أراد الهادي خلع الرشيد إلا أنه مات قبل ذلك، والرشيد كرر الخطأ نفسه وسمى الأمين والمأمون لولاية العهد لينتهي الأمر بينهما بطريقة دموية قطع فيها ولي العهد المأمون رأس أخيه الخليفة الأمين، وحرقت بغداد وضربت بالمنجنيق لأن الأخير أراد خلعه وتعيين ابنه الصغير مكانه.

نستخلص مما سبق أن تجربة الأمويين والعباسيين في انتقال السلطة مدمرة لبيت الحكم قبل الدولة، وقد قدم الأمويون في الأندلس مثالاً مغايراً عندما حصروا ولاية العهد في ابن واحد فقط، ليستمر ملكهم لما يزيد على ثلاثمئة سنة، وفي المرة التي انتقل فيها الحكم "استثناءً" من الجد الأمير عبدالله بن محمد لحفيده عبدالرحمن الناصر لدين الله، جدد ذلك الشاب الطموح ملك جده الأول صقر قريش وبسط نفوذ قرطبة على بقية مناطق الأندلس وشمال إفريقيا، وذاق الناس حلاوة الأمن والرخاء المعيشي.

إن تجربة انتقال الحكم من الأب إلى ابنه تضمن أموراً عدة منها، سد باب المنافسة بين الإخوة وتحويل طاقة الأعمام إلى الأعمال الإيجابية التي تقوي بيت الحكم كإنشاء المؤسسات التي تعنى بتطوير التعليم أو مكافحة بعض الأمراض... إلخ، والأمر الأخير وهو الأهم: تقلص الفجوة العمرية والفكرية بين الحاكم الجديد والشعب الذي يحكمه، وما حصل في قطر باختصار هو أن الشيخ حمد سابق الزمن وأحضر المستقبل لابنه الشيخ تميم ليحكم قطر في الحاضر والمستقبل معاً.

back to top