رغم أن الكويت من أكثر دول العالم إنفاقاً على التعليم، مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي للدولة بما يعادل 8.6%، فإنها جاءت في أربعة مؤشرات فرعية عن التعليم والتعليم العالي في مراتب متأخرة جداً تتراوح حول المرتبة الـ100 عالمياً.
صدر الأسبوع الجاري تقرير التنافسية العالمي لعام 2013- 2014 من المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث حلت الكويت في مراتب متدنية في محاور مهمة تتعلق بالاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا وجودة التعليم والقدرة على الابتكار والبحث العلمي وسهولة العمل بالانشطة التجارية، وغيرها من المحاور التي كان من المفترض لدولة اطلقت خطة تحوُّلها إلى مركز تجاري ومالي قبل 10 سنوات وخطة التنمية قبل 4 سنوات، ان تحقق فيها قدرا من التقدم لا التراجع.ولعل تراجع هذه المؤشرات رغم اهميتها لا يشكل صدمة، إذ إن جزءاً مهماً من هذه المؤشرات المتراجعة تم رصده في تقرير حكومي عن اداء خطة التنمية يشير الى ان الكويت سجلت ما بين عامي 2009 و2013 تراجعا في 21 مؤشرا لقياس الاداء من اصل 31 مؤشراً، مقابل تقدم في 7 مؤشرات وثبات الاداء في 3 مؤشرات، مما يشير الى وجود تدهور حقيقي في الادارة المشرفة على اداء هذه المؤشرات، خصوصا في ظل توفر المال وإنفاقه بشكل كبير على الخدمات التي تديرها الدولة.وحازت الكويت مراتب تراوحت ما بين 70 الى 120 من اصل 148 دولة في قياس مؤشرات تناولت الاقتصاد والتعليم والاعمال والتكنولوجيا والوظائف وسوق العمل وجاذبية الاموال وغيرها.فمثلا على صعيد التعليم نجد ان ترتيب الكويت في 4 مؤشرات فرعية عن التعليم والتعليم العالي جاء في مراتب متأخرة جدا قارب الترتيب الــ 100 عالميا، رغم ان الكويت تعتبر اكثر دولة في العالم انفاقا على التعليم مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي للدولة بما يعادل 8.6% مقابل عائد ضعيف من حيث المخرجات التعليمية، في حين تنفق دول عديمة الموارد الطبيعية كسنغافورة 3.2% فقط من ناتجها الإجمالي كما تنفق اليابان 4%... وهنا لا حاجة لأحد في شرح اختلاف جودة المخرجات بين الكويت وبين سنغافورة او اليابان.مشروع حكمما ينطبق على التعليم ينسحب ايضا على التكنولوجيا في المعاملات الحكومية وسهولة الاعمال التجارية والقدرة على الابتكار والخدمات المالية، وهذه كلها يتم الانفاق عليها بشكل عال، الا ان النتائج تكون متواضعة او ضعيفة، لأن الادارة التي طرحت خلال 10 سنوات مشروعي دولة كبيرين «المركز المالي وخطة التنمية» لم تكن صادقة او جادة في تنفيذهما، لانهما كانا جزءا من مشروع حكم لا مشروع دولة، فكان الحديث عنهما اكثر من العمل الحقيقي عليهما، وهو ما ادى اليوم الى تراجع المؤشرات الاقتصادية والتجارية والتعليمية.وليس هناك دولة في العالم اعدت خطة تنمية او تطوير وسجلت تراجعا لافتا في مؤشراتها عدا الكويت التي سجلت العديد من التراجعات خلال 10 سنوات ماضية في كفاءة سوق العمل وجودة التعليم والحرية الاقتصادية وسهولة الاعمال رغم الفوائض المالية المتتالية خلال نفس الفترة دون وجود مبرر او سبب سوى غياب المشروع الحقيقي للدولة.ولعل جانبا مهما من الازمة السياسية التي تعيشها الكويت منذ سنوات يرجع الى عدم وجود مشروع تنموي يجمع عليه المجتمع وينشغل به بشكل حقيقي، اذ انه من الطبيعي عندما تخلو الدولة او تفشل في مشروعها أن يتجه الناس الى الخلافات غير المفيدة والتراشق السياسي، في حين ان ثمة دولاً قريبة لديها مشروعها الناجح، ولو نسبيا، فمثلا السعودية تعتبر عاصمة لمشاريع الطاقة والبتروكيماويات، كما أن دبي، رغم تعثرها، جذبت أموالاً كثيرة في مجالي العقار واعادة التصدير، وكذلك قطر في مشاريع الغاز والإعمار، وظلت البحرين حتى عهد قريب عاصمة المؤسسات المالية في المنطقة، ولدى عُمان فرص استثمارية في مجالي الصناعة والزراعة، اما الكويت فمازالت، منذ سنوات، تتحدث عن التحول الى مركز تجاري ومالي، ثم تتحدث عن خطة دون نتيجة عملية، وما تراجع مؤشراتها إلا نتيجة لسوء تنفيذ هذه المشاريع.وبالطبع فإن المؤشرات المتراجعة في الكويت لا بد ان تنعكس على الاداء خصوصا في الخدمات العامة وما يتم الحديث عنه هذه الايام بشأن الازمة الاسكانية وتراجع الخدمات الصحية والتوجس من عجز الجامعة والتطبيقي في توفير مقاعد للطلبة الا صورة عن تدهور المؤشرات بشكل جلي، خصوصا ان معظم هذه المؤشرات ناقش قضايا خدمية او اقتصادية او تجارية تفصيلية ورصد فيها محاور من الضعف وتراجع الاداء.لم يناقش مجلس الوزراء تقرير التنافسية العالمي او رصد مواطن الخلل او طلب معالجة القصور، فالحكومة الحالية وقبلها حكومات كثيرة سارت بنفس النهج والاخطاء والسياسات، وهي التي اشرفت على تراجع المؤشرات عاما تلو الاخر، لذلك باتت الاخبار السيئة المقارنة بين الكويت ونظيراتها في الخليج او اي دولة اخرى لا تثير ذلك القدر من الاستغراب، ليس لأن اغلب الناس باتوا مقتنعين بأنه لن تتم محاسبة احد، بل لأن هذه المؤشرات تعبر عن ازمة ادارية- حكومية شاملة في النظام نفسه، لا في عمل وزير، فالواضح ان مشروع الدولة مفقود، وما يتم ترويجه للناس من مشاريع وخطط وغيرهما عبارة عن «ابر بنج» بات مفعولها المخدر القوي سابقا يتراجع، وهذا خطر جدا سياسيا واقتصاديا، ومن الممكن ان يؤدى الى الانفجار في اي لحظة... فما ظهر وسيظهر من مؤشرات شاهد قوي على ضعف الادارة وبالتالي الخدمة المقدمة للناس.
اقتصاد
تقرير اقتصادي: الكويت دولة بلا مشروع... ومؤشرات «التنافسية» شاهد
12-09-2013