ما قل ودل: مسلسل عزل القضاة في مصر
أثار مشروع القانون الذي تقدم به حزب الوسط، حليف حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بتخفيض سن تقاعد القضاة من السبعين إلى الستين، للالتفاف إلى حكم الدستور بعدم قابلية القضاة للعزل، أثار موجة من الاحتجاجات في الشارع المصري.التحايل على أحكام الدستور
وهو تحايل على أحكام الدستور يعيد إلى الأذهان، إعادة تشكيل مجلس الدولة في عام 1955 بالقانون رقم 165 لسنة 1955، لإقصاء 18 من خيرة قضاته، بعد إقصاء الفقيه الكبير المستشار د. عبد الرزاق السنهوري من رئاسة مجلس الدولة في عام 1954 عقب الاعتداء الدامي عليه يوم 29 مارس 1954.ومن بين من انتقدوا هذا القانون في ما نص عليه من إعادة تشكيل مجلس الدولة، د. وحيد رأفت والدكتور سعد عصفور الذي كتب مقالاً في مجلة المحاماة قال فيه ما فعله القانون رقم 165 لسنة 1955، من إعادة تشكيل مجلس الدولة، ليس إلا تحايلا على مبدأ عدم جواز عزل القاضي، ذلك أن المناط في ثبوت أو عدم ثبوت استقلال القضاء، لا يكون بالرجوع إلى الدستور والقوانين، التي تحرص عادة على تأكيد هذا الاستقلال، إنما بحقيقة ما يجري في شأن مدى احترام هذا الاستقلال فعلاً وواقعاً، فبدلا من المساس صراحة بالضمانات المقرة دستورياً وقانونياً لرجال القضاء، وعلى الأخص عدم جواز العزل أو النقل، ابتدع أصحاب الفكر الملتوي، وسيلة تأخذ في الظاهر سمة الإصلاح القضائي، وتخفي في باطنها عزل أو نقل جميع رجال القضاء، الذين أريد التخلص منهم، بناء على التقارير السرية المقدمة ضدهم من الأجهزة السرية، والتي كان قد جندها الحاكم لحسابه، وأفسدها بالنفوذ والمال، وأطلقها للتجسس على الشرفاء وأصحاب الضمير والرأي المستقل، في كافة المجالات حتى القضاء.وإن الحاكم الذي يسعى إلى إهدار استقلال القضاء، لا يعدم من رجال القانون من يخططون له لبلوغ غايته، بوسائل شيطانية وملتوية، حتى لا يبدو اعتداؤه على القضاء سافراً وصارخاً. (د. سعد عصفور، مشكلة الضمانات والحريات العامة في مصر، مجلة المحاماة، السنة 56، ص 101 وما بعدها). عدم دستورية القانون:وهي حيلة لا تنطلي على أحد، لأن صدور هذا القانون يكون موصوماً بوقوعه في حومة مخالفة الدستور، لأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني، والأمور بمقاصدها، بمعنى أن الأمر يكون على مقتضى ما هو مقصود منه. ومقاصد النظام واضحة هي التخلص من 3500 قاض، وشق صفوف القضاة الذين وقفوا صفا واحدا في الدفاع عن الشرعية والمشروعية وسيادة القانون واستقلال القضاء.فالنظام الحاكم بهذا القانون يمسك بالعصا والجزرة في وقت واحد، فهو يوقع العقاب بالقضاة الذين تجرؤوا على حل الجمعية التأسيسية وحل مجلس الشعب، ويلوح بالجزرة للقضاة الأصغر سنا الذين يتطلعون إلى الوثوب على كراسي زملائهم الذين جاوزوا سن الستين.والسؤال المطروح: من سيقضي بعدم دستورية القانون، إذا كان العزل سوف يشمل تسعة مستشارين من قضاة المحكمة الدستورية ولن يتبقى فيها سوى قاضيين؟والإجابة لا تحتاج إلى كبير عناء، وهي أن المستشارين الذين سوف يعينون مكان من تم عزلهم من قضاة المحكمة الدستورية لن يحكموا بعدم دستورية القانون لأنهم مدينون لهذا القانون بمناصبهم القضائية في المحكمة. وأن أقصى ما يمكن أن يفعلوه، إبراء لذمتهم أن يتنحوا عن نظر الطعن بعدم دستورية القانون، لشعورهم بالحرج، وهم أصحاب مصلحة، ويبقى الطعن معلقاً بلا قاض يحكم فيه.وللحديث يقية إن كان في العمر بقية.