ساعتان في «صحار»

نشر في 22-06-2013
آخر تحديث 22-06-2013 | 00:01
 يوسف عوض العازمي "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين". بهذا الدعاء بدأنا رحلتنا السريعة عبر البر، حيث كنا قادمين من "ند الشبا" في إمارة دبي متجهين إلى "صحار" في سلطنة عمان برفقة أخي الأكبر لتقديم واجب العزاء لأحد أصدقائه في تلك المنطقة الساحلية.

كانت مسافة الطريق ساعتين، ومكثنا في صحار مدة ساعتين تزيد أو تنقص قليلاً، وكذلك العودة إلى مقرنا في دبي.

بمجرد ما تبينت لنا ملامح "صحار" لاحظت البساطة وهدوء المباني وتذكرت على الفور "المنقف" أيام السبعينيات من القرن الماضي وبيوتها البسيطة ومزارعها. ولو رأيت عربة "كباب أبو حصة" لأقسمت أني في المنقف!

"صحار"... قطعة من كويت الماضي تجد فيها المنقف، أبوحليفة، الفنطاس، ولن تستغرب إن عرفت أن أغلب أباء أهلها كانوا في الكويت، وكأنهم نقلوا كويت تلك الأيام إلى منطقتهم الوادعة.

كان العزاء في خيمة بسيطة، أثاثها معقول، لكن من قابلناهم تجاوزوا المعقول في حفاوة الاستقبال والترحيب الحافل والكرم... أناس بسطاء طيبون، غاية في النقاء.

قدمنا واجب العزاء... لم يكن طابع العزاء يختلف عن طبائعنا.

لما علموا أني من الكويت ازداد الترحيب وانهال المدح وكلام الثناء والحب للكويت وأهل الكويت، كانوا يذكرون بلدي وكأنهم يلقون قصائد، بدت محبة الكويت طاغية في قلوبهم حتى إني ظننت أن مكان العزاء تحول إلى احتفال بمحبة الكويت.

عرفت أن كثيرين من أهلهم كانوا في الكويت يعملون فيها قبل عقود من الزمن وورّثوا حب الكويت لأبنائهم، فهم يتحدثون عن الكويت "صاحبة الفضل" عليهم، والحقيقة ألا فضل بين الأخ وأخيه، لكنهم كرام وينطبق عليهم قول الشاعر: "إن أنت أكرمت الكريم ملكته"، وبالفعل إبان غزو العراق لبلدنا كانت وقفة السلطنة بقيادة سلطانها قابوس مشرفة ولا تنسى.

تصادف أثناء وجودنا موعد أذان المغرب وتوجهنا برفقة من في العزاء إلى مسجد صغير بجوار خيمة العزاء. لاحظت أن الإمام من طائفة "الإباضية"، ويصلي إماماً وكانت نفس صلاتنا. الاختلاف كان في التسليم الأخير فقط، حيث يسلم الإمام مرة واحدة بينما نسلم نحن مرتين، وبطبيعة الحال نحن سلمنا مرتين.

وكانت تلك مناسبة تدلل برمزية على التسامح والتعايش بين هذا الشعب الطيب، فلاحظت الابتسامة والتآلف بين الإمام وأهل المسجد وكان التعامل المريح بينهم عنواناً واضحاً لمعنى التراحم والوئام.

سعدت بزيارتي السريعة إلى "منقف" سلطنة عمان؛ "صحار"، تلك المدينة الجميلة التي تمنيت لو كان بمقدوري البقاء بها فترة أطول، وتشرفت بمعرفة أناس يحبون الكويت ويحبون أهلها، وازداد فخري ببلدي حين سمعت كلامهم، وفخرت بالرعيل الأول الذي زرع بتعامله مع أشقائه من أهل الخليج محبة الكويت، وها أنا أشهد على ذلك. والناس شهود الله في أرضه.

طوال طريق العودة إلى دبي وأنا أتفكر في حال بلدي؛ كويت الماضي التي نقطف ثمار جهود أهلها إلى الآن، وكويت الحاضر التي ابتلي شعبها بالانشغال بالسياسة والطائفية والفرعيات وانتظار الأحكام الدستورية حتى تكاد تصبح بلد "المليون سياسي".

أسأل الله أن يحفظ الكويت وأهلها ويهدي أميرنا لما يحبه ويرضاه ويرزقه البطانة الصالحة التي تعينه، وأن تكون بلادنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.

back to top