استوحيت المقالة من حديث شيق جرى في مقر رئيس البعثة الدبلوماسية في العاصمة الأردنية عمان، وذلك عندما كنت أتولى رئاسة البعثة هناك، مع الصديق العزيز د. أحمد الربعي، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، وكان كثير التردد على عمان في زيارات ودية وذلك غالباً للمشاركة في ندوات أو لقاءات ثقافية، فقد كان رحمه الله العامل المشترك في أغلب تلك الندوات نظراً لما له من حظوة وحضور.

Ad

وفي إحدى تلك الأمسيات وأثناء تناول الشاي في منزلي، أبدى رغبته في إقامة ندوة في عمان بعنوان "الملكيات العربية... ما لها وما عليها"، وكانت وجهة نظره، رحمه الله، تتلخص في أننا سمعنا الكثير من وجهات نظر رجال الثورات العربية ومؤرخيها ومفكريها وراكبي الموجة معها، ولكننا لم نسمع وجهات نظر تلك الملكيات ورجالها وصانعي الأحداث فيها، فهل كان الفساد فيها قد وصل حداً لا يطاق مما استدعى القيام بتلك الثورات؟ وهل استطاعت تخليص البلاد والعباد من ذلك الفساد الذي لا يطاق؟!

فقد شهدت فترة الخمسينيات من القرن الماضي قيام ثورات عدة في عدد من الدول العربية أدت إلى تغيير أنظمة الحكم من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري أطلق عليها تسميات وألقاب عدة منها "الثورة المجيدة"، و"الثورة الخالدة"، و"الثورة التقدمية" وغيرها من الألقاب، ولعل أغربها "الثورة المباركة"! فهل "ثورة الفاتح" من سبتمبر عام 1969 في ليبيا ثورة مباركة، والتي قادها العقيد معمر القذافي الذي حكم البلاد على مدى أربعين عاماً قاسى فيها الشعب الليبي العذاب والهوان وامتلأت المعتقلات التي لا حصر لها وتبخرت ثروات البلاد بين هوس ومجون وجنون ووصلت ليبيا إلى ما وصلت إليه الآن!

أما في العراق، فهل يمكن اعتبار ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 "ثورة مباركة"، وهي التي مهدت الطريق لحكم صدام حسين الذي حول العراق إلى سجن كبير وغاص العراق في دماء أبنائه وما زال، وأدخل البلاد في حروب ومغامرات مع شعبه وجيرانه وتبخرت أيضا ثروات العراق بهوس إنتاج أسلحة الدمار والقتل والتخريب!

أما السودان فمن بركات الثورة تقسيم الدولة إلى دولتين والقادم أكثر!

أما "ثورة السادس والعشرون" من سبتمبر عام 1962 في اليمن، فقد تحول ذلك البلد إلى مأساة إنسانية ذات أبعاد كارثية، فغدت قصص الموت تروى كل يوم، إما بالحروب الأهلية والنزاعات وإما بحرب الفقر والمرض والجوع... فأين ثورة سبتمبر المباركة؟!

وليست سورية بأحسن حال، فالحرب دائرة على أشدها بين جيش نظامي وجيش حر، وذلك من أجل كرسي الحكم حتى لو كان يقام على أشلاء أجساد الشعب بكل فئاته، وقرى وأرياف مدمرة، ولاجئين ينتظرون من يتفضل عليهم ببعض المساعدات في بلد أنعم الله عليه بكل الخيرات... أبعد ذلك تبقى ثورة مجيدة ومباركة؟!

ولا نريد التحدث عن ثورة 23 يوليو عام 1952 في مصر، فحال الشوارع والميادين تروي إلى أي مدى وصلت بركات تلك الثورة التي أوصلت بعض أبناء مصر إلى السكن في المقابر، ومن حالفه الحظ فقد ركب سفن الغربة في كل أنحاء الدنيا!

الغريب والعامل المشترك في كل هذه الثورات أنها عند قيامها قد رفعت شعار تحرير فلسطين والقضاء على إسرائيل، ولكن بعض تلك الجيوش التابعة لتلك الثورات قد ضلت الطريق، فتوجه بعضها إلى تحرير الكويت من الكويتيين والبعض الآخر اتجه إلى الأردن لتحريرها من الأردنيين، والبعض الآخر اتجه إلى لبنان!

أما الفلسطينيون فقد تم تمزيقهم إلى فرق ومنظمات تقاتل بعضها إرضاء لقيادات تلك الثورات، وقامت دولتان لفلسطين إحداهما في الضفة والأخرى في غزة!

أما إسرائيل الهدف من "الكفاح المقدس" فقد تضاعف حجمها الجغرافي، وزاد عدد سكانها، ودخلت من ضمن الدول العظمى بامتلاك السلاح النووي، وغدت الدول العربية "الثورية" تتسابق في عقد اتفاقيات السلام معها... ويبقى التساؤل لو استمرت تلك الأنظمة الملكية تحكم تلك البلاد، فهل كانت الأحوال ستصل إلى ما وصلت إليه الآن؟ لكن من المؤكد، لو حدث ذلك، ما كان سيصبح للجماعات الدينية هذا الوجود القوي الآن!

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.