كان الصعود الأخير للدولار ملموساً بصورة واضحة مقابل عدد من عملات بلدان الأسواق الناشئة، مثل الراند الجنوب إفريقي والليرة التركية. لكن في آسيا حتى البلدان التي تتمتع بنمو قوي، وأسواق أسهم مزدهرة، ومزيد من التدفقات الرأسمالية الداخلة، تشهد انقلاباً في العملة، ما يؤدي إلى تحول عميق في التوقعات.

Ad

بالنسبة لعشرات الآلاف من الخادمات الفلبينيات العاملات في هونغ كونغ، المسؤولات عن إعالة عائلاتهن في الوطن، كانت أسواق العملات قاسية في السنوات الأخيرة.

استناداً إلى المعدل الأدنى للأجور، كانت كل واحدة منهن ترسل إلى بلدها 25300 بيزو شهرياً، حين أعلن بن برنانكي عن الجولة الأولى من التسهيل الكمي في نوفمبر 2008.

وفي مطلع هذا الشهر انخفض ذلك المبلغ إلى 20650 بيزو فقط، بسبب التدفقات الرأسمالية إلى آسيا، التي دفعت عملتهن المحلية إلى أعلى في مقابل الدولار.

ومنذ بدء الأزمة المالية تكررت تجربة الفلبين عبر معظم بلدان المنطقة. وهذا العام سجل الرنمينبي عدة أرقام قياسية عالية، في حين أن تايلند التي وصل فيها سعر البات في أبريل إلى 28.6 في مقابل الدولار، وهو أعلى معدل له منذ 13 سنة، سجلت نمواً أضعف من المتوقع في الربع الأول، ويعود ذلك جزئيا إلى الصادرات التايلندية التي ترتفع أسعارها باستمرار.

لكن منذ أن انتشرت في مطلع هذا الشهر الفكرة القائلة إن الاحتياطي الفدرالي ربما يبدأ هذا العام تقليصا تدريجيا لمشترياته من الأصول، يبدو أن نمط قوة العملات الآسيوية تعرض للانقطاع. وفي الأيام الأخيرة معظم العملات الكبيرة في المنطقة عكست مسارها وسط صعود عالمي للدولار. وهبط البيزو الفلبيني بنسبة 1 في المئة، والبات التايلندي بنسبة 1.4 في المئة، في حين تراجع الدولار السنغافوري بنسبة 2.2 في المئة.

موقف الدفاع

ويقول سمير جويل، رئيس قسم أبحاث الأسعار الآسيوية والعملات الأجنبية في دويتشه بنك: «أعتقد أنه باستثناء بعض الحالات القليلة، فإنك سترى أن صعود الدولار سيجعل العملات الآسيوية في نهاية المطاف في موقف الدفاع».

وأضاف: «مع ذلك سينتهي المطاف بالعملات الآسيوية بأن تكون أفضل من عملات مجموعة الثلاث (الدولار إضافة إلى اليورو والين)، لكنك ستجد أن من الصعب إلى حد كبير أن تضغط تماماً ضد القوة المتوسعة للدولار».

وكان الصعود الأخير للدولار ملموساً بصورة واضحة مقابل عدد من عملات بلدان الأسواق الناشئة، مثل الراند الجنوب إفريقي والليرة التركية. لكن في آسيا حتى البلدان التي تتمتع بنمو قوي، وأسواق أسهم مزدهرة، ومزيد من التدفقات الرأسمالية الداخلة، تشهد انقلاباً في العملة، ما يؤدي إلى تحول عميق في التوقعات.

ويقول بانو باويجا، الرئيس العالمي لاستراتيجية الدخل الثابت والعملات الأجنبية في يو بي إس: «شهدنا اتجاها عاماً كبيراً في السنوات العشر الأخيرة، وهو ما دفع إلى ضعف الدولار. وإذا وصل هذا الاتجاه إلى أدنى مستوياته، فسيكون الأمر عظيما».

 مسافات طويلة

ويتابع: «علينا أن نفهم أن قسماً كبيراً من الفترة 2003-2007، حين كان يُنظر إلى الأسواق الناشئة على أنها نعمة من الله، كان ذلك استثناء، فهو ليس الوسط الذي نحن في سبيلنا إليه. وإذا كان الأمر كذلك، فأمامنا مسافات طويلة».

والاحتياطي الفدرالي ليس وحده الذي يدعو إلى الحذر وسط مجموعة من المستثمرين اعتادت منذ فترة طويلة على تداولات باتجاه واحد من الناحية العملية. فارتفاع قيمة العملات الآسيوية – الذي اكتسب زخماً قوياً في أعقاب الإعلان عن برنامج ضخم للتسهيل الكمي من بنك اليابان – أصبح موضوعاً ملحاً بالنسبة لصناع السياسة عبر بلدان المنطقة.

ومن المتوقع أن تفرض بعض البنوك المركزية ضوابط رأسمالية، مثل فرض ضريبة على استثمارات السندات، لإبطاء مد التدفقات الداخلة التي كانت تدفع منذ فترة بأسعار الصرف إلى أعلى. والقرار الذي اتخذته الصين في الفترة الأخيرة بهدف الحد من استخدام مقبوضات الصادرات المزيفة من أجل إدخال الأموال إلى الصين هو مثال واحد فقط على ما يسمى الإجراءات الحصيفة في الاقتصاد الكلي، في حين اختارت كوريا الجنوبية وأستراليا تخفيض أسعار الفائدة في اجتماعات السياسة النقدية الأخيرة.

ويقول ساشا تيهانيي، وهو محلل استراتيجي للعملات الأجنبية في بنك سكوشيا: «كثير من البنوك المركزية الآسيوية تقوم برد فعل على سياسة التسهيل من بنك اليابان. وسيكون المستثمرون بصورة متزايدة بحاجة إلى أن يأخذوا في الحسبان عوامل غير أساسية».

ويقول محللون إن احتمال فرض ضوابط على رأس المال، والصورة الاقتصادية المتباعدة عبر المنطقة، تدفع كذلك باتجاه منهج أكثر مراعاة للفروق في العملات الآسيوية. وخلال الأشهر الستة الماضية تفككت النظرة التقليدية إلى العملات الآسيوية على أنها لعب مباشر على المخاطر، ما يؤدي إلى مزيد من التمايز بينها والانتباه للعوامل الاقتصادية المحلية.

وأوضح مثال على ذلك هو الروبية الإندونيسية، التي كانت تتراجع بصورة متواصلة مقابل الدولار على مدى الشهور الـ 18 الماضية، بسبب مخاوف متزايدة بشأن حالة الاقتصاد المحلي.

وفي حين أن أي تراجع عن التسهيل في الولايات المتحدة سيثير على الأرجح عملية إعادة تفكير بخصوص آسيا، إلا أن بعضهم يعتقد أن الأمر يقتضي ببساطة الجلوس وانتظار رؤية ما يحدث. ففي الوقت الذي يتوقع أن يبدأ فيه البنك المركزي الأمريكي سحب التحفيز، ستكون اليابان في بداية الطريق المؤدي إلى التحفيز. والسؤال المهم في هذه الحالة ما إذا كان المستثمرون اليابانيون سيعوضون أي تدفقات رأسمالية خارجة من أجزاء أخرى من العالم.

ويقول ميتول كوتيتشا، رئيس قسم استراتيجية العملات الأجنبية في بنك كريدي أجريكول في هونغ كونغ: «من الواضح أن تغيير الاحتياطي الفدرالي لسياسته سيكون له أثر معين. وربما يسبب صدمة للنظام».

ويضيف: «لا بد من موازنة ذلك بالتدفقات الرأسمالية الخارجة، التي تتمتع بقوة كامنة، من اليابان. وربما تكون آسيا من كبار المستفيدين».

*(فايننشال تايمز)