لا تدعوا إيران تماطل لكسب الوقت
قد يشعر النظام الإيراني أن الوقت في مصلحته، كما أن الخطوط الحمراء التي وضعتها أميركا وإسرائيل للقيام بعملٍ عسكري تعتمد على وتيرة أنشطة إيران النووية، وهذا يعني أن إيران يمكن أن تؤخر هذا الصراع بمجرد إبطاء هذه الأنشطة كما فعلت أخيراً.
تعاني بعض أهداف السياسة الخارجية الأساسية للرئيس أوباما تعثراً ملحوظاً كما هي حال الحوار مع إيران، ففي كلمة ألقاها نائب الرئيس الأميركي جوزيف آر. بايدن في ميونيخ أعلن بايدن أن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء محادثات مباشرة مع إيران، وبما أن ناقوس الحرب بدأ يُدق بشأن البرنامج النووي الإيراني، فإن هذا العرض يبدو حكيماً، لكنه أيضاً لا يعالج المشكلة من جذورها. وبينما تستمر إيران في التهرب من المفاوضات- بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث كان وزير الخارجية الإيراني داخل المبنى نفسه الذي وجد فيه نائب الرئيس بايدن- السؤال الذي يطرح نفسه لا يتعلق بما إذا كان ينبغي على أميركا إجراء مباحثات مع إيران من عدمه بل بكيفية حمل إيران على إجراء مباحثات بشكلٍ جدي.إجراء الحوار الدبلوماسي مع إيران ليس فكرةً جديدة، فقد مد جميع الرؤساء الأميركيين منذ جيمي كارتر يدهم إلى إيران سابقاً. غير أن هذه المحاولات لم تُفضِ إلى تحسين العلاقات، ولعل خير دليل على الأمر الزيارة السرية التي قام بها مستشار الرئيس رونالد ريغان لشؤون الأمن القومي روبرت سي. ماكفرلين إلى طهران عام 1986 في ما أصبح معروفاً بقضية "إيران- كونترا"؛ ولم يكن الأمر مستجداً أيضاً حيث عقد الجانبان محادثات غير علنية حول أفغانستان والعراق في العقد الأول من القرن الحالي، وحينذاك لم تحقق السابقة سوى تقدماً تكتيكياً عابراً بينما لم تحقق الأخيرة أي تقدم على الإطلاق.
وثمة خيط مشترك في أسباب الفشل في جميع المحاولات: فإيران تتجنب الدخول في أي محادثات ثنائية واسعة لأنها تخشى الحوار مع الولايات المتحدة أكثر من خشيتها من المواجهة العسكرية. فعقيدة "مقاومة" الغرب- خصوصاً للولايات المتحدة- هي المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه نظام إيران الإسلامي. ففي الوقت الذي قامت فيه إيران بتطبيع علاقاتها بشكل تدريجي مع العديد من حلفاء واشنطن الأوروبيين والآسيويين، فإنها لم تفعل ذلك مع الولايات المتحدة نفسها، وهي الحال مع إسرائيل حليفة أميركا. إن إزالة هاتين الدولتين من خانة الأعداء من شأنه أن يقوض أحد المبررات الأيديولوجية لوجود النظام الإيراني ونشأته.ومن ثم، من المحتمل أن يكون الحوار الجدي مع الولايات المتحدة هو فقط نتيجة حدوث تحولٍ استراتيجي من قبل النظام، وليس سبباً له. وحتى الآن لم يقع مثل هذا التحول، ومع تصاعد أثر العقوبات، ثمة علامات على زيادة حدة الشقاق داخل الحكومة الإيرانية، كما أن هناك مؤشرات على أن العقوبات الحالية قد حققت المرجو منها في هذا الشأن: شرعت صادرات النفط الإيرانية في الارتفاع بعد تعرضها لانخفاض طويل، ولم تحدث اضطرابات كبيرة من جراء تصاعد معدلات التضخم والبطالة الكبيرة التي شهدتها البلاد. وربما يعطي ذلك سبباً وجيهاً للولايات المتحدة لعرض إجراء مباحثات مباشرة- لمواجهة فكرة "المقاومة" الإيرانية. ولكن لا يزال هناك بصيص من الأمل بأن تقبل إيران هذا العرض أو أن تعطي المباحثات ثمارها في الوقت الراهن.وفي الواقع، قد يشعر النظام الإيراني أن الوقت في مصلحته، كما أن الخطوط الحمراء التي وضعتها أميركا وإسرائيل للقيام بعملٍ عسكري تعتمد على وتيرة أنشطة إيران النووية، وهذا يعني أن إيران يمكن أن تؤخر هذا الصراع عبر مجرد إبطاء هذه الأنشطة كما فعلت أخيراً. وفي الوقت نفسه، قد يأمل القادة الإيرانيون بأن تسمح الحلول البديلة عن طريق السوق السوداء والارتفاع في الطلب العالمي على النفط، لبلادهم بتوسيع حجم صادراتها.لذا يجب على الولايات المتحدة أن تضع حلولاً أكثر إبداعاً في الطرق التي تتبعها بشأن الحوار والضغط لإحداث تغييرٍ سريع في النظرة الإستراتيجية الإيرانية. من الناحية الدبلوماسية، أوضحت واشنطن أنها مستعدة لعقد لقاء ثنائي مع الجانب الإيراني إذا ما كانت إيران مستعدة لذلك وأن مثل هذه المحادثات تعتبر استكمالاً- وليست بديلاً - للمباحثات الحالية المتعددة الأطراف، التي تشمل أيضاً روسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا. ولكن لا ينبغي أن تتطرق المباحثات الثنائية إلى المشكلة النووية فحسب، بل يجب أن تتناول أيضاً مناقشة المخاوف الأميركية بشكلٍ كامل والتي من بينها دعم إيران للجماعات الإرهابية. وبما أن شركاء الولايات المتحدة في المفاوضات الدولية يتطلعون بشدة إلى أن تجرى مناقشات أميركية- إيرانية مباشرة، وتجنب المواجهات العسكرية التي قد يصحبها فشل الدبلوماسية، فإنه يتعين على واشنطن الإصرار أيضاً على أن تُشدِّد الدول الأخرى من نهجها حيال الحكومة الإيرانية من أجل زيادة أصوات الداخل الإيراني الداعية إلى تغيير المسار السياسي.كذلك ينبغي على تلك البلدان تنفيذ العقوبات الاقتصادية المفروضة حالياً على إيران بشكل أفضل واستخدام وسائل الضغط الأخرى المتاحة، وأن تحذرها أيضاً بأنها قد تدعم أي عمل عسكري أميركي إذا لزم الأمر، وأنها على استعداد للتعامل مع إيران ومبعوثيها كأشخاص غير مرغوب فيهم. كما يتعين على تلك الدول أيضاً دعم المعارضين الإيرانيين ومواجهة النشاطات الإيرانية في الخارج، بأن تسير على سبيل المثال على خطى الولايات المتحدة في تصنيف "حزب الله" كجماعة إرهابية والوقوف في وجه عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى غزة.وفي الوقت الذي تزيد فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها من وتيرة الضغط على إيران، من الأهمية بمكان أن يتمسك الأميركيون بمطالبهم بدلاً من الاستجابة للعناد الإيراني بتقديم المزيد من العروض السخية والتنازلات. فإذا اعتقدت طهران أنها ستتمكن من تحمل الضغوط أو التهرب منها من خلال تسويةٍ تقنية بسيطة بدلاً من تغييرٍ جذري لتوجهها، فهي لن تتردد في القيام بذلك.وبينما تزداد احتمالات نشوب صراع واستغراق المحادثات وقتاً أكبر، ينبغي ألا ينصب قلق الولايات المتحدة وحلفائها على من يجلس إلى جانبها على مائدة المفاوضات بل يحب أن يكون قلقها منصباً على التأكد أن مَن يأتي للتفاوض من الجانب الإيراني سيكون في الواقع مستعداً للتوصل إلى تسوية. وإلا فلن تمثل أي محادثات أميركية- إيرانية انفراجاً دبلوماسياً بل ستكون مجرد محطةٍ أخرى في الطريق الطويلة إلى الحرب.* مايكل سينغ | Michael Singh ، المدير الإداري لمعهد واشنطن ومدير سابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي.