حركة التغيير لا تعود للوراء
الشعوب الحية التي أسقطت الأنظمة الاستبدادية البوليسية نفسها طويل، ولا تعرف الإحباط الذي يصيب أصحاب الفكر الضحل وقصيري النظر، وستنجز المهمة لتحقق مطالبها بالعيش الكريم والحرية وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية، فإرادة الشعوب لا تنكسر وحركة الإصلاح والتغيير لا تعود إلى الوراء.
حركة الإصلاح والتغيير في المجتمع هي حركة مجتمعية مستمرة وتراكمية لا تحقق تغييراً نوعياً سريعاً، إذ من الطبيعي جداً أن تتباطأ أحياناً أو تتعرض لبعض الانتكاسات المؤقتة أحايين أخرى، لكنها حتماً لا تتوقف، فهناك تراكمات صغيرة تتكون من النضال اليومي للشعوب لكنها مهمة جداً في التمهيد للتغيير النوعي الذي يفاجئ عادة من تكون نظرته سطحية وضحلة للتغيرات الجذرية التي تطرأ على حركة المجتمع، وخير مثال هنا ما جرى في تونس ومصر وليبيا وسورية خلال العامين المنقضيين.لقد كانت ثورات الربيع العربي مفاجأة غير سارة للأنظمة الدكتاتورية وأصحاب الفكر الضحل والسطحي الذين لا يفهمون ديناميكية حركة المجتمع والتغيرات الاجتماعية العميقة التي تطرأ عليه، ولا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم، فيكتفون بقراءة ضحلة ومبتسرة لما يطفو على السطح على أساس أن ذلك هو الحقيقة الكاملة؛ لهذا كانوا "يبشرون" في جميع وسائل الإعلام الرسمية والخاصة قبل سقوط الأنظمة الدكتاتورية أنها أنظمة مستقرة و"أبدية" لن يهزها، كما كانوا يقولون، بعض المطالبات والاحتجاجات الشعبية أو الإضرابات العمالية المحدودة التي تنظم بين الحين والآخر؛ لأن شعوبها غير مبالية ومشغولة بحياتها اليومية، وتعيش تحت هاجس الخوف الدائم من أجهزة الأمن.
طبعاً الكل يعرف أن الشعوب العربية قد كسرت حاجز الخوف، وتحدّت جبروة الأنظمة الاستبدادية الساقطة وطغيانها والتي كانت تدعي أنها أنظمة ديمقراطية يسود فيها القانون، وأن لديها مجالس شعبية ومؤسسات دستورية يعرف الجميع أنها مجالس صورية؛ الهدف منها هو محاولة إضفاء شرعية مزيفة على أنظمة بوليسية قمعية.أما الآن فإن ثورات الربيع العربي تمر بمرحلة انتقالية صعبة للغاية لأنها أتت بعد عقود طويلة من احتكار السلطة والثروة بيد القلة الفاسدة التي دمرت مؤسسات الدولة، واستخدمتها في غير أغراضها المشروعة، فانتشر الظلم الاجتماعي والقهر والحرمان والفقر والأمّية، وامتهان كرامات البشر، وتخلف التعليم، وتدهورت الثقافة وانحدر الوعي العام، وانتشر التخلف الفكري والمعرفي، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إعادة بناء شاملة وجذرية لمؤسسات الدولة وأجهزتها، وهي مهمة صعبة للغاية لن تنجز بين ليلة وضحاها، حيث ستستغرق بعض الوقت، وقد تتباطأ أحيانا وستمر بمنعرجات بعضها قاس جدا ومكلف، لكن الشعوب الحية التي أسقطت الأنظمة الاستبدادية البوليسية نفسها طويل، ولا تعرف الإحباط الذي يصيب أصحاب الفكر الضحل وقصيري النظر، وستنجز المهمة لتحقق مطالبها بالعيش الكريم والحرية وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية، فإرادة الشعوب لا تنكسر وحركة الإصلاح والتغيير لا تعود إلى الوراء.