الوضع في سورية معقد للغاية، فإلى جانب النظام القمعي الاستبدادي الذي يتحمل المسؤولية عما آلت إليه الأمور هناك قوى طائفية متطرفة مثل "القاعدة ومشتقاتها" دخلت على مسار الثورة الشعبية، فخلطت الأوراق وبعثرتها، وهو الأمر الذي ساعد النظام القمعي في سعيه الدائم إلى تشويه صورة الثورة أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.

Ad

هناك أيضا صراع دولي وإقليمي محتدم في المنطقة تحكمه وتوجهه المصالح الاقتصادية-السياسية للدول الكبرى، وما يتطلبه ذلك من استماتة في المحافظة على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، وهو ما عبر عنه الرئيس الأميركي عندما قال "ضرب سورية يصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي"، مما يذكرنا بالسياسة الأميركية تجاه مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، والمسماة "الفوضى الخلاقة" التي روجت لها منذ عام 2005 وزيرة الخارجية آنذاك "كونداليزا رايس"، وكان ضمن أهدافها هدم البنية التحتية والاقتصادية لدول المنطقة، وتقسيمها لدويلات متحاربة، ثم تفكيكها اجتماعيا من خلال خلق بؤر صراعات داخلية فئوية وطائفية كما يحصل الآن في العراق.

والضربة العسكرية الأميركية المتوقعة لسورية هي حرب لا تحظى بغطاء دولي (إذن من مجلس الأمن)، ولا أحد باستطاعته توقع حجم الخسائر البشرية والمادية التي ستخلفها أو تداعياتها سواء داخل سورية ذاتها أو على دول المحيط، فالحرب ليست نزهة كما يقال بل قتل لأناس أبرياء، والتسبب في إعاقات بشرية دائمة وأمراض نفسية مزمنة ودمار مادي رهيب.

نعم الشعب السوري يعاني أوضاعاً مأساوية للغاية منذ أكثر من عامين، ولا يزال يقدم كل يوم ضحايا أبرياء فاق عددهم المئة ألف تقتلهم الآلة العسكرية والأمنية للنظام القمعي والاستبدادي من جهة، وميليشيات القوى المتطرفة من الجهة الأخرى، ناهيكم عن عدد النازحين الذي يتخطى المليون ونصف المليون بحسب إحصاءات "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، بيد أن أميركا لم ولن تنتصر للشعب السوري، بل تنتصر لمصالحها وتحمي مناطق نفوذها.

 كما أن أميركا ليست مهتمة البتة بعدم امتلاك أنظمة دكتاتورية أو فاشية أو عنصرية للأسلحة النووية والكيميائية أو البيولوجية، كما تروج بعض وسائل الإعلام وإلا لرأيناها قد تحركت ضد إسرائيل التي رفضت توقيع معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، وهي الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك ترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل تزودها بها مصانع الأسلحة الأميركية، ثم يحميها "الفيتو" الأميركي داخل مجلس الأمن من مجرد إدانة بطشها بالفلسطينيين.

الشيء المؤسف هنا أن الضربة العسكرية الأميركية المتوقعة قد تؤدي إلى زيادة تعقيد الوضع الداخلي الأمر الذي سيصب في مصلحة النظام، ويفاقم معاناة الشعب السوري الذي يطالب بالحرية والكرامة والعيش الكريم وبناء دولته المدنية الديمقراطية التي تتسع لجميع مكونات المجتمع السوري.

 لذلك فالمطلوب هو تضامن إنساني مع الشعب السوري ومعارضة الحرب والتدخلات الخارجية ثم مطالبة المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية بالتحرك السريع للوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار، ونشر قوات دولية لحفظ السلام، ثم إيجاد حلول سياسية تحافظ على سلامة أرواح الأبرياء وتضمن عدم "عرقنة" سورية.

أما بالنسبة إلى وضعنا المحلي فلا فائدة من خطة طوارئ حكومية من دون الإعلان عنها على وجه السرعة وبكل شفافية، كي يطمئن الناس، ويكونوا مستعدين لتنفيذها وقت الحاجة؛ خطة الطوارئ الحكومية لا تعفي الجميع من المسؤولية الوطنية بالعمل الجدي على تماسك الجبهة الداخلية في حالة اندلاع الحرب.