ثقافة الواقع وواقع الثقافة!
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
إن أوضاع أقطار العالم العربي، وإذا كنا متفائلين وقلنا منذ هزيمة حزيران 1967، وما تبعها من انكسار للمبدع والمثقف، وتضييق وملاحقة من قبل أنظمة الحكم الدكتاتورية له، جعلت دور المثقف هامشياً في الحياة. حياة مواطن لا يجد قوت يومه، وينشغل بهم إعالة أسرته وتربية أبنائه ليس في جلّ يومه، بل وعلى امتداد عمره كله!لقد لعب إعلام أنظمة الحكم القمعية التسلطية الدكتاتورية، وعلى امتداد عقود من الزمن، دوراً أساسياً في تكريس مقولة "كل شيء من أجل المعركة". وكان المقصود معركة تحرير فلسطين، لكن القضية الفلسطينية زادت تعقيداً وسوءاً يوماً بعد يوم، ومعها زاد وضع المبدع والمثقف تهميشاً وتضييقاً وحرباً، انتهت ببعض المبدعين إلى السجن والموت. لا يمكن لمجتمع أن يرتقي فيه شأن الثقافة إن هو لم يجعل من الثقافة زادا لأطفاله منذ نعومة أظفارهم. فكيف بمجتمعات عربية، تصل نسبة الأمية فيها إلى ما يزيد على الستين في المئة، وكيف بمجتمعات يعيش معظم شعوبها تحت خط الفقر، وكيف بمجتمعات لا تعرف الحرية، وكيف بمجتمعات تعيش خنوعاً يلازمها طوال حياتها، فمن أين لهذه المجتمعات أن تتنفس إبداعاً وتعيش ثقافة؟!إن الثقافة في تعريفها البسيط هي كل متكامل من المعرفة البشرية، يتكون عبر تراكم زمني، وبما يعني أنها ميراث اجتماعي. وأن كل جيل يورّث آراءه وقناعاته للجيل الذي يليه، وبالتالي فإن ثقافة أي مجتمع هي نتاج لوعي جمعي تشكل عبر عقود وعقود. ولأن وعي جمعي عربي يرى في الثقافة أمراً كمالياً وبطراً زائداً لا يصلح للحظة الموجعة التي يعيشها الوطن والمواطن العربي، فلقد نشأ وعي اجتماعي مقتنع بعزلة المبدع والفنان والمثقف، ويرى في ممارسته الحياتية انعزالاً عن الواقع. وهذا ما يفسر رد الأخ على تغريدتي في "تويتر"، ووجهة نظر صديقي المهندس.صحيح أن الثقافة جهد فكري ليس في متناول الجميع، لكن الصحيح أيضاً أنها عماد أي مجتمع، فالثقافة هي روح أي مجتمع، والتحضر هو الآلية التي يمارس من خلالها المواطن قناعاته الفكرية، وهي في المحصلة تعمّ مجمل مظاهر الحياة الروحية والأخلاقية التي تسود أي مجتمع من المجتمعات.نعم نحن بحاجة للنظر إلى واقع ثقافتنا المؤلم، وثقافة الواقع المؤلمة أكثر.