هناك ثلاثة أمور بدأت تتسارع في فرض شروطها وازدياد تواجدها في الكويت، وكلها تتعلق بتغير واختلاف أنماط وأشكال السلوك والعادات الاجتماعية في الكويت عما كانت عليه في السابق، الأمر الذي سيقود إلى حتمية التغير التي تفرض وجودها بسبب تغير معطيات العصر كلها مثل التقنيات التكنولوجية وازدياد الانفتاح على العالم الخارجي، واختلاف التركيبة الاجتماعية بتوافد الأعداد الهائلة من عمالة العالم التي أدخلت معها عاداتها وتقاليدها، اضافة الى تأثير المدارس الأجنبية التي بدأت تطرح ثمار تعليمها الممتد عبر 20 سنة الماضية التي خرجت فيها أجيال من الشباب الكويتيين الذين بدأوا الآن يؤثرون في تغيير نمط السلوك الاجتماعي الكويتي، وهو الأمر الذي انعكس بشكل واضح في ظهور حياة المقاهي وازدياد أعداد المولات والمجمعات التجارية التي تساعد على انتشارها، وارتفاع أعداد الاحتجاجات والمسيرات لمجرد الاختلاف في الرأي والمطامح السياسية مما دفع الكثير من الشباب للخروج في تظاهرات عالية الصوت جريئة في مطالبها مما شكل معارضة حتى وإن لم تكن على حق فيما تريد من مطالب لكن أظهرت صورة لشباب جدد لهم قدرة على التحدي والمعارضة والخروج في مسيرات وتظاهرات ضد الحكومة، وآخر هذه التغيرات ما جاء في ظهور أول برنامج لتلفزيون الواقع الذي تقوم بتقديمه محطة تلفزيون الوطن، هذا البرنامج بالفعل كشف للجمهور تغيرا في سلوك الشباب الكويتيين بشكل سافر واضح عن أسلافهم وجدودهم وآبائهم، فالمجتمع الكويتي المتزمت، المتحفظ والرصين المتمسك بسلسلة من العادات والتقاليد التي يعتز بها ويعتبرها شهادة لختم أصالته، ويعتبر أن من لا يتمسك بها أو لا يعرفها دخيلا لا يمتلك حق الأصالة الكويتية.

Ad

الآن، هذا المجتمع يتعرض لخلخلة واهتزاز وانفكاك لثقل ورصانة أصولية تحفظه التي بدأ الشباب خريجو المدارس الأجنبية المحلية أو الخارجية بفرض عاداتهم التي اكتسبوها من من علموهم، واستطاعوا أن يخلصوهم من أسر وسجن العادات التقليدية الخانقة لروح الإبداع وحرية الرأي والتعبير عن الذات بشكل علني سافر، وهو ما شاهدناه في أول حلقة من برنامج تلفزيون الواقع الكويتي الذي يعتبر أول برنامج في الخليج يكشف عن مواهب كويتيه تعمل في حقل الأزياء وإدارة الشركات والطبخ.

الذي يلفت النظر في هذا البرنامج هو السلوك الانفتاحي للشباب المشارك، فلأول مرة نجد كويتيين يتكلمون بكل هذه العفوية الصريحة التي تعري الذات وتكشف عيوبها وأخطاءها ومميزاتها علنا أمام شاشات التلفزيون المتسمر خلفها أهلهم وأقاربهم وعادات عصور حجرية جاهزة  للهجوم والنقد والحش والتنتيف- الحش تعني النميمة والتنتيف تعني التقطيع باللهجة الكويتية- الذي ربما يقودهم إلى اعتزال البرنامج أو عملهم أو فرض وجودهم ونجاحهم واحترام صدقهم وعفويتهم على الجميع مما سيقود بالفعل إلى تغير في عادات وسلوك طبيعة مجتمع متحفظ ومتمسك بمظهر أصوليته، وبالطبع إذا تم هذا التغير فسينتقل لاحقا إلى مجتمعات الخليج الأخرى التي تعتبر الكويت مقارنة بها الأكثر تفتحا وتحررا والأقل تزمتا.

التغير لا محال آت، وهو ما نراه يتكون ويتخلق الآن بشكل يهز أركان المعتقدات القديمة ويغير منها بمظهر هذا القبول الذي بات يأتي من أشد الناس تزمتا وتمسكا بأصول العادات والتقاليد الاجتماعية، وبات الكثيرون يفتخرون بأن ولدهم أو ابنتهم "شيف" أي طباخ أو "دزاينر" أي خياط أو مخرج أي فنان أو مدرب أو مدربة رقص أي رقاصة أو صاحب كراج أي ميكانيكي أو صاحب كافيه أو صاحبة صالون أو مشغل معهد رياضي، الكثير والكثير من المهن التي كان يُستعر منها، باتت الآن مجالا للتباهي والتفاخر، لدرجة انه لم يعد هناك أسرة في الكويت لا يوجد لديها ابن أو ابنة طباخة لها محل للحلويات وهي الأكثر انتشارا، ثم تليها مهنة الخياطة والماكياج والتجميل، والزهور والديكور والنجارة والحدادة، التي غيرت كلها من تقليدية المجتمع الصارمة إلى العمل بكل تنوعه وأشكاله التي كانت غير مقبولة من قبل، ومادامت "المادة" موجودة فلماذا لا يخوض الجميع في مجال التجارة، وليصبح في كل بيت تاجر.