تفجرت منذ أكثر من عامين ثورات الربيع العربي ضد احتكار القلة للسلطة والثروة، وما رافق ذلك من تقييد للحريات وانتهاك للكرامات وقمع وقهر واستبداد وتهميش سياسي وظلم اجتماعي استمر زهاء نصف قرن، دُمرت خلاله البنى التحتية للدولة وانهارت مؤسساتها وبناها الرئيسية، في الوقت الذي برزت ثقافة تقديس الحكم الفردي المطلق مما أثر سلبياً في قيم المجتمع وثقافته العامة، وهو الأمر الذي يجب أن يؤخذ في الحسبان عند الحكم على المرحلة الانتقالية التي تمر بها المنطقة العربية حالياً.

Ad

لقد شهدت المنطقة العربية، ولاتزال، تغييرات جذرية لمّا تُستكمل بعد، فالمرحلة الانتقالية الحالية تواجه صعوبات جمة وتحديات كثيرة داخلية وخارجية قد تبطئ من عملية التغيير الاجتماعي والديمقراطي، لكن لا عودة إلى الوارء، فذاك زمن ولى من دون رجعة، إذ إن العالم قاطبة يشهد منذ سنوات، وبالذات بعد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية، تغيرات في موازين القوى العالمية لمصلحة قوى التغيير والتقدم.

لهذا، فإنه ليس من الانصاف أن نتوقع إنجاز عملية التحول الديمقراطي خلال فترة زمنية قصيرة، خصوصاً أن طغيان حكم الفرد واحتكار السلطة والثروة خلال نصف القرن الماضي قد تركا دولاً فاشلة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، فضلا عن أن إعادة بناء الدول تحتاج إلى توافق وطني عام وإلى جهود ضخمة وجبارة وفترة زمنية ليست بالقصيرة.

كما يجب ألا ننسى أن الآلة الإعلامية الضخمة للثورة المضادة المدعومة إقليمياً ودولياً مازالت قوية ومؤثرة وتستخدم كل ما أوتيت من قوة ونفوذ وانتشار لإفشال الثورات العربية من خلال التضليل الإعلامي وبث روح الاحباط واليأس والانهزام لدى المواطن العربي الذي كان يتوقع من الثورات نتائج إيجابية سريعة، لاسيما في ما يتعلق بتحسين ظروفه المعيشية التي من المؤسف أنها لم تتحسن وذلك لأن القوى السياسية التي تولت السلطة بعد الثورة، خصوصاً في تونس ومصر جماعة "الإخوان المسلمين" ليس لديها، كما ذكرنا ذات مقال، رؤية اقتصادية مختلفة عن رؤية الأنظمة الساقطة وتتجه سياسياً إلى احتكار السلطة وإقصاء بقية القوى الوطنية والثورية التي نزلت قبلها إلى الميادين العامة وشاركت معها في إنجاح الثورة الشعبية.

وهذه السياسة قصيرة النظر وغير الحكيمة زادت من حالة عدم الاستقرار السياسي، فاستمر تدهور الوضع الاقتصادي مما أثر سلباً في مستوى معيشة الغالبية الساحقة من المواطنين الذين كانوا يتوقعون العكس تماماً وبشكل سريع جداً أيضاً.

قصارى القول، إن التركة التي خلفتها الأنظمة العربية الاستبدادية البوليسية تركة ثقيلة جداً والطريق طويل ووعر، كما أن المرحلة الانتقالية الحالية معقدة وصعبة وقاسية تتطلب توافقاً وطنياً عاماً وتنازلات من الأطراف كافة، خصوصاً من القوى التي بيدها السلطة، مع الأخذ في الاعتبار أن الشعوب العربية ستتجاوزها مهما كان حجم التضحيات التي ستضطر إلى تقديمها حيث إنها أصبحت تدرك أن للكرامة الإنسانية والحرية والديمقراطية ثمناً لابد أن يدفع.