عندما أقدم العراق على أول جولة من التراخيص النفطية بعد الحرب في يونيو 2009، توافدت إلى بغداد مجموعات مثل «إكسون موبيل»، و»رويال دتش شل»، و»برتيش بتروليوم» من أجل حدث كانت تنتظره الصناعة بتوق شديد، باعتباره واحدا من أهم الأحداث في لائحتها.

Ad

لكن في الجولة الرابعة في مايو الماضي، لم يأت أي منها. ويجسد الحضور الضعيف خيبة أمل عامة في قطاع النفط العراقي، الذي كان ذات يوم التذكرة الأكثر سخونة في مجال الطاقة العالمية. والطفرة المتوقعة على نطاق واسع بالنسبة الى شركات النفط الغربية في العراق بعد الحرب، فشلت في تحقيق ذاتها.

فقد أدّى عدم الاستقرار السياسي، وشروط التعاقد غير المشجعة، واختناقات البنية التحتية إلى تراجع جاذبية البلاد بشكل حاد بالنسبة لشركات النفط الكبرى. وحوّلت عدة شركات اهتمامها من الجنوب إلى إقليم كردستان شبه المستقل، ما أثار غضب بغداد. ويقول رئيس تنفيذي لشركة نفط غربية كبرى: «العراق أصعب بيئة نعمل فيها وسيكون كذلك لسنوات عديدة مقبلة».

مفارقة

وتُعتبر هذه النتيجة بمثابة مفارقة، فعندما غزت القوات الأميركية العراق قبل عشر سنوات، توقع أصحاب نظرية المؤامرة أن شركات النفط الأميركية ستستولي فوراً على حقول النفط الشاسعة في البلاد.

وقال روبن ميلز، من شركة المنار لاستشارات الطاقة ومقرها دبي: «كثير من الناس يعتقدون أن حرب العراق تم خوضها من أجل النفط». وأضاف: «لكن الشركات الأميركية الآن شبه غائبة عن المشهد العراقي».

ومع خامس أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم، وطبيعة جيولوجية سهلة، وتكاليف إنتاج منخفضة، كان متوقعا أن يصبح العراق نقطة ساخنة لاستثمارات النفط العالمية. وقد وضع الأميركيون المنتصرون مخططا لإعادة تأهيل حقول النفط الواسعة وزيادة الإنتاج بواقع 1.5 مليون برميل يومياً تقريبا في عام 2003، وتدفقت الاستثمارات على البلاد. وفي أغسطس تفوق العراق على إيران ليصبح ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، وذلك للمرة الأولى منذ أواخر الثمانينيات في القرن الماضي، بعدما أمكن ضخ أكثر من ثلاثة ملايين برميل يومياً - أعلى مستوى منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.

مناخ سيئ

لكن مناخ الأعمال أصبح سيئا. وأدت التقلبات السياسية، والمخاوف بشأن الأمن، ومشكلات البنية التحتية، بما في ذلك عدم وجود خطوط أنابيب ومحطات ضخ ومنشآت تخزين، إلى بطء وتيرة الانتعاش في قطاع النفط. ويتحدث العراق الآن عن زيادة الطاقة الإنتاجية إلى نحو تسعة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2020، وهي كمية تقل كثيرا عن مستوى 12 مليون برميل يومياً الذي كان مستهدفا في وقت سابق.

وقال رعد القادري، من شركة بي إف سي لاستشارات الطاقة: «بالنظر إلى الموارد المتوافرة لديه، لايزال العراق بعيدا عن تحقيق إمكاناته». وأضاف: «دائماً ما كانت السياسة تعصف بصناعة النفط في العراق». فحتى الآن لم تمرر البلاد قانونا للمواد الهيدروكربونية تم طرحه للمرة الأولى عام 2007، ويمكن أن يحلّ مسألة من الذي يسيطر على موارد النفط والغاز.

كردستان العراق

جزء واحد من العراق احتفظ بجاذبيته لدى مجموعات الطاقة الغربية ـ بل زاد منها ـ هو كردستان العراق، المنطقة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي وتدير شؤونها الخاصة منذ نحو 20 عاماً. فقد وقّعت الحكومة الإقليمية الكردية 50 صفقة مع شركات النفط الأجنبية، بما فيها «إكسون، وشيفرون، وتوتال، وجازبروم نيفت الروسية». ويريد المسؤولون هناك رفع الإنتاج من نحو 200 ألف برميل يومياً الآن إلى مليون برميل يومياً بحلول عام 2015.

وتُعتبَر عقود تقاسم الإنتاج التي تقدمها كردستان أكثر سخاء للشركات الكبرى من عقود الخدمات الفنية المقدمة في جنوب العراق، حيث تكسب شركات النفط رسما موحدا للبرميل الواحد من النفط المنتج، بينما تذهب حصة الأسد من الأرباح إلى الحكومة.

صفقات كردية

لكن بغداد تعتبر الصفقات الكردية غير قانونية وترفض أن تدفع إلى الشركات النفطية العاملة في كردستان حصتها من عائدات التصدير. وانتقاما من ذلك، أوقفت حكومة إقليم كردستان صادرات النفط عبر خط الأنابيب الرئيسي في العراق. وأبلغت بغداد شركات النفط أنها يمكنها العمل إما في الجنوب وإما في كردستان، ولكن ليس في كليهما. وفي مواجهة هذا الاختيار، قررت شركة إكسون في العام الماضي أن تبيع حصتها في المشروع النفطي «القرنة الغربية – 1»، التي تبلغ 50 مليار دولار.

ويقول أشخاص مقربون من الجانبين إن بغداد ربما تكون مستعدة للتخفيف من شروط عقد إكسون من أجل الحفاظ على الشركة في العراق. وفي يناير الماضي، التقى ريكس تيلرسون، الرئيس التنفيذي لشركة إكسون، بنوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، في بغداد. لكن لم تظهر حتى الآن أي دلائل على حدوث انفراجة.

ووجدت الشركات الغربية الأخرى أن العراق صعب المراس. وتركت شتاتويل النرويجية البلاد العام الماضي في حالة من الإحباط.

لكن شركات النفط الحكومية شهدت حالة من الازدهار، كانت أبرزها الشركات الصينية. وتشارك النفط الوطنيه الصينية في اتحاد لتطوير حقل الرميلة بقيادة برتيش بتروليوم، وهو واحد من أكبر حقول النفط العراقية، وهي أيضا التي تشغل حقل الأحدب. وتتولى شركة بتروتشاينا تشغيل حقل الحلفاية، بينما تشغل شركة Cnooc مجموعة حقول ميسان.

ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، سيتوجه ربع النفط العراقي، أي نحو مليوني برميل يوميا، إلى الصين بحلول عام 2035. وبحسب فاتح بيرول، كبير الاقتصاديين في وكالة الطاقة الدولية: «يجري تشكيل محور جديد للتجارة بين بغداد وبكين».

عائدات ضخمة

ووفقا لمحللين، من المحتمل على نحو أقل أن تتم إعاقة الشركات المملوكة للدولة، على عكس شركات النفط الكبرى، بالرسوم المنخفضة والعوائد المتدنية، لأن المفتاح بالنسبة لها هو الحصول على الموارد الهيدروكربونية وكميات الخام التي يُسمح لها بتصديرها.

لكن في نهاية المطاف، كان الفائز في العقد الماضي هو الدولة العراقية. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تجني بغداد عائدات تبلغ خسمة تريليونات دولار تقريباً من صادرات النفط بحلول عام 2035، ما يقدم «فرصة تحويلية» للاقتصاد.

وقال القادري، من شركة بي إف سي للطاقة: «لقد حصل العراق على كم هائل من الاستثمارات والمساعدات الدولية لتطوير قطاع الطاقة، في حين تخلى عن القليل جداً».

وأضاف: «يعمل العراقيون جيداً ويسيطرون على الصناعة النفطية فعليا».

(فايننشال تايمز)