القضاء... وكفى!
لم أكن أود الحديث مرة أخرى عن القضاء تقديراً لرموز تاريخية انتسبت إليه قديماً واحتراماً لاسم من أسماء الله اتخذه شعاراً له، ولكن ما حيلتي والبعض من القضاة ومن يدافعون عنهم يصر على خلق عداوة وخصومة بين القضاء والشعب المصري؟جاء بيان الجمعية العمومية لنادي القضاة يوم 24- 4 مؤكداً النازية الفكرية التي يؤمن بها بعض القضاة، فقد أصدروا أوامرهم بألا تخضع ميزانيتهم لرقابة الجهاز المركزي، وأن ينص دستورياً (ليس قانونياً فقط) على استمرارهم في العمل إلى سن الـ70، وألا يتجرأ مجلس الشورى على التشريع... كل هذه القرارات و"الفرمانات" التركية تؤكد إحساس البعض بأنهم من جنس أعلى مرتبة من الجنس البشري الذي ينتمي إليه المصريون جميعاً، فيجب ألا يحاسبهم أحد، كما أنهم أكثر حكمة وعقلاً واتزاناً، ويجب أن يستمروا في العمل لمدة أكبر من بقية المصريين ممن هم أقل منهم درجة في السلم البشري!
كيف يمكن قبول هذه القرارات؟ بأي إحساس وشعور يقبل المصري بهذه التوصيات؟ أم أن إحساسهم بالفوقية أكبر من قدرتهم على التفكير والتعقل؟ وهذا ما لم يفهمه المواطن البسيط، فلم يفهم لماذا يتهرب القضاة من رقابة الجهاز المركزي؟! ولمَ يصرون على تمييزهم عن بقية المصريين؟! والأعجب والأغرب هو كيف ينساق شباب القضاة هكذا معصوبي العيون وراء أهواء شخص يسعى إلى التصعيد بكل الطرق حماية لنفسه؟... كيف يسير القضاة وراء فرد لا يعنيه سوى الاحتماء بالحصانة وعدم خضوعه للتحقيق في الاتهامات المنسوبة إليه؟ إن الإنسان الطبيعي (بعيداً عن جنس القضاة) إذا ما ناله اتهام يسعى سريعاً إلى خضوعه للتحقيق تبرئة لنفسه، فكيف يكون سلوك القاضي النزيه الشريف؟ ألا يجب أن يكون أكثر حرصاً على ذلك؟ وكيف يمكن تبرئته دون تحقيق؟ وكيف يمكن التحقيق دون رفع الحصانة؟ فلماذا الإصرار على التذرع والتستر بالحصانة؟ وكيف ينقاد القضاة هكذا بكل سهولة وراء مثل هذا السلوك؟يحاول البعض الادعاء بأن القضاة لا علاقة لهم بمهرجان البراءة للجميع الذي يرجع إلى نقص الأدلة، وأن القاضي يحكم بما أمامه من أوراق وتحقيقات، وأن... وأن... إلخ، وسنصدق كل ذلك ولن نعيد الحديث حول خداع القضاة للثوار بتقديم مبارك ورموزه للمحاكمة، وضرورة التقاضي أمام محاكم عادية للحصول على الأموال المنهوبة... فلا تمت الإدانة ولا عادت الأموال. وسنتجاوز كل ذلك ونسأل: هل كان تنحي قاضي إعادة محاكمة مبارك أيضاً بما أمامه من أوراق؟ وهل جاءته هذه الأوراق فجأة ليلة تنحيه؟ لماذا انتظر شهرين (منذ تكليفه بالقضية) لتنتهي فترة الحبس الاحتياطي ثم يتنحى؟ ألم يكن يعلم أنه نفسه من حكم ببراءة الجميع في موقعة الجمل ولا يجوز نظره في إعادة المحاكمة؟ ولماذا من الأساس تم تكليفه هو دون غيره بإعادة المحاكمة؟ فهل هذا السلوك القضائي بناء على ما في الأوراق من أدلة أم أنه سلوك سياسي وحزبي بامتياز؟!وفي النهاية فسواء نجح القضاة أم خسروا في الاحتفاظ بسن التقاعد والتخلص من رقابة الجهاز المركزي، فلقد خسروا ما هو أهم من كل ذلك بكثير... فقد خسروا احترام المواطن البسيط وهيبة القضاء التي لن ترجع قبل سنوات طويلة... فهل يتحمل القضاة هذه الخسارة؟