لا شك أننا نمر بمرحلة مخاض عسير... مشهد سريالي درامي عبثي لسياسات متخطبة لا تجيد إلا صناعة الأزمات المتلاحقة والمتفاقمة. حكومة عجيبة تتفنن في نثر بذور الأزمات في التربة الخصبة بانتهاجها للحلول الأمنية، فلم تعتبر من دروس دول زرعت الريح فحصدت العاصفة.

Ad

والعاصفة لن تسدها السدود الأمنية والقوات الخاصة وسجن المعارضين والسياسيين والحبس في قضايا الرأي وملاحقة مئات المغردين والتشريع لقانون الإعلام الموحد الآتي من متاحف القرون الوسطى، ولن تعوقها القوانين القابعة في كهوف التاريخ.

أزمة الكويت هي أزمة انسداد الأفق السياسي، ولن تُحَلّ إلا بالحلول السياسية وتجاوز ذلك الانسداد. ولنضع النقاط على الحروف بدلاً من التشدق بديمقراطية القرون الوسطى والتفاخر بها أمام الجيران، نعم أصبح لدينا سجناء رأي، نعم لدينا قوانين بالية صدئة مهترئة تستخدمها الدولة للتفرد بالقرار وسلب الحريات، نعم نعاني فقراً حاداً في الثقافة الديمقراطية.

السجن في قضايا الرأي انتهاك بشع لآدمية الإنسان، ولا مناص إلا بالعمل على تعديل تلك القوانين غير الديمقراطية التي تضع أصحاب الرأي والمنتقدين للسياسات في نفس مكان اللصوص والمجرمين والقتلة. ولن نجد لأمرنا مخرجاً سوى بأنسنة الديمقراطية وأنسنة القوانين وأنسنة الدولة وأنسنة الإنسان واستيعابه واحتوائه وتمدده واستقلاله، بدلاً من سياسة الإقصاء والإلغاء والإعدام السياسي، سواء اتفق أم لم يتفق البعض مع الفئات الأخرى في المجتمع، سيبقى السؤال: كيف نصل إلى تلك المعادلة؟ ومتى تفهم الدولة أن طريق السلامة يمر عبر المواءمة وأن الحوار يعني الاستقرار، وأن النقد وقود المجتمعات الحية الواثقة بنفسها والتي لا تخاف الكلمةَ، وأن السياسة لا تحل إلا بالسياسة والمشاركة وتطوير الحياة السياسية؟ وأن الطريق الذي تنتهجه هو طريق التيه والعبث بمستقبل البلاد وأمنها؟

تاريخياً، كانت الكويت تخرج من أزماتها حين تنجح في سياسة المواءمة، وحين تتعاطى مع استحقاقات الإصلاح السياسي، ولن تخرج الكويت من هذا الممر التاريخي ومتاهاته إلا بخطوة المواءمة والاستيعاب وفتح الأبواب الموصدة للديمقراطية وإصلاح أعطابها، بدلاً من فتح أبواب السجون وسلب حرية من يتفوهون بالكلمات، والتي يبدو أن الحكومة ستعجز عن استيعابهم في سجونها، لذا أقترح أن تستقطع من ميزانية التنمية لبناء السجون والزنازين.

وسلام على الربيع الحكومي الذي بشر به الأستاذ عبداللطيف الدعيج.