لماذا سقط حكم «الإخوان»؟

نشر في 08-07-2013
آخر تحديث 08-07-2013 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري ظل يخطب ويردد: أفيضوا أيها الناس؟ أنا صاحب الشرعية الدستورية، أنا الرئيس المنتخب، والدنيا من حوله تتداعى، ورجاله ينفضون عنه، إنه الرئيس المصري المعزول محمد مرسي "رئيس مدني منتخب" بعد ثورة 25 يناير، لقد ظن أن الشرعية تحصنه من المساءلة، وتعطيه الحق في الانفراد بالقرار وإقصاء الآخرين.

 اعتقد أن "التفويض الشعبي" يمنحه الحق في الاستبداد وإصدار "إعلان دستوري" يحصن قراراته، فأصدر دستوراً لا يليق بمصر وثورتها واتخذ مجلساً تشريعياً مطعوناً في شرعيته، ووقع في أخطاء كارثية، ووصلت مصر في عهده إلى الحضيض، واضطر المصريون إلى اللجوء إلى "لمبة الجاز" لمواجهة "الظلام"؟

 لقد أساء فهم وتفسير "التفويض"، وتصرّف كرئيس لجماعة سياسية لا للمصريين كافة من غير تمييز على أساس الانتماء الديني والحزبي، قرّب أهل الثقة من جماعته وأقصى خيرة العقول والكفاءات الوطنية، وهو الرئيس الذي انتخبته الجماهير أملاً في تحقيق أهداف الثورة، فلم يحسن التصرف وأساء التقدير واتخذ قرارات زادت الأوضاع سوءاً، فتصاعدت الاحتجاجات الشعبية ضد حكمه، لكنه تجاهلها واتهم قوى المعارضة بأنها من بقايا النظام السابق (فلول) والعلمانيين، وأعداء المشروع الإسلامي، ولم يستمع إلى النصح، ولم يعمل شيئاً لتهدئة الناس، بل إنه كلما خطب، تسبب في المزيد من الاحتقان السياسي، وأعداد الخصوم المعارضين.

 ظل الرئيس المخلوع يتجاهل الواقع البائس من حوله وينكر الحقائق المريرة، أسيراً للأوهام، منفصلاً عن مجريات الأمور وظلت أوضاع مصر تسير من سيئ إلى أسوأ، والغضب الشعبي يتصاعد، لكنه أصم أذنيه وأسبل عينيه، أسيراً لحكم المرشد وتوجيهاته، فخاصم المؤسسات العريقة في مصر وسعى إلى تطويعها لجماعته، فخاصم الأزهر والكنيسة وتدخل في القضاء، وفرض نائباً عاماً من غير رضاهم، وحاصرت جماعته المحكمة الدستورية العليا وأرهبوا القضاة، وسعى مجلس الشورى إلى عزل 4000 قاضٍ، منهم شيوخ القضاة وخيرة المستشارين في مصر، وفرض على الثقافة وزيراً مكروهاً فقرر المثقفون الاعتصام ورفضوا الحوار، وحاصر الإعلام وساق الصحافيين والإعلاميين إلى المحاكم، ثم سعى إلى فرض ثقافة غريبة على ثقافة المجتمع المصري، وهكذا استعدى الجميع ولم يبق له صديق إلا جماعته، حتى حليفه السلفي انفضّ عنه.

 لقد صبر المصريون كثيراً على أخطاء وخطايا رئيسهم المنتخب وجماعته، لكن للصبر حدود، حتى إذا وصلت الأمور منتهاها في (30) يونيو، بعد عام من جلوس الرئيس على الكرسي، هب المصريون جميعاً ليقولوا لرئيسهم: حان وقت الرحيل، لكنه أبى وكابر وتمسك بالشرعية فزحفت الملايين وفاضت الشوارع والميادين، وارتجت جنبات مصر بالملايين الهادرة، (يسقط حكم المرشد) و(ارحل) خرج الشعب جميعاً حتى حزب (الكنبات) ليقول لمرسي وجماعته "انتهى وقتكم".

 وكان لا بد للجيش أن ينحاز إليهم، ويتبنى خيارهم ويحمي خروجهم ويلبي مطالبهم، وكان لا بد للجيش أن ينزل على إرادة الجماهير ويحسم الموقف لأنه لو وقف متفرجاً أو متردداً، لوقعت صدامات دموية بين الشعب والإخوان، وأكثر ضحاياها من الإخوان أنفسهم بسبب كراهية الشعب لهم.

 الجيش المصري أثبت نضجاً سياسياً كبيراً بحسن دراسته للموقف وتقديره للمصلحة العليا للوطن، وهو بهذا الموقف المشرف يقدم نموذجاً جديداً لدور الجيش في الحياة السياسية عندما تتأزم الأمور ويكون هو المنقذ والحامي للشعب والوطن، ويخطئ من يصور الموقف على أنه "انقلاب عسكري"، الجيش هنا وسيلة الشعب للخروج من "نفق مظلم، الله تعالى وحده يعلم أبعاده وتداعياته". كما جاء في تهنئة خادم الحرمين الشريفين، ما حصل ليس انقلاباً عسكرياً بل "ثورة شعبية ثانية" لتصحيح مسار الثورة الأولى، وعلى الإخوان أن يحمدوا للجيش صنيعهم، إذ ما هم من البطش والفتك، فلولا لطف الله تعالى بهم وتدخل الجيش في الوقت المناسب لصفى المصريون حسابهم مع الإخوان بسبب حجم الكراهية المختزن.

كما أن وقفة الأزهر الشريف وشيخها الإمام الأكبر د. الطيب في تأييده لخارطة الطريق، إنما تثبت بجلاء "المرجعية الشرعية للإسلام الوسطي المعتدل" ودورهما المرتجى عندما تشتد الظلمات، وهكذا يثبت الأزهر مرة أخرى مهمته الأساسية، مرجعية شرعية مرشدة موجهة وعاصمة في أوقات الفتن والأزمات.

 أما القضاء المصري الشامخ فقد أكد فعلاً شموخه ورسوخه واستقلاله، إذ تأبى على تداخلات الحكم وتعرض لتطاولات شتى وتحمل بكل صبر كل مظاهر الاعتداء على استقلاله ورجاله ودوره، ولكنه استمر حصناً منيعاً وملاذاً آمناً، لقد وقف بالمرصاد شامخاً لكافة انحرافات السلطة في تعددية للدستور والقانون وأبطلها جميعاً بدءاً بالبرلمان مروراً بالجمعية التأسيسية للدستور وانتهاء في مجلس الشورى وتعيين النائب العام.

 القضاء المصري لعب دوراً إصلاحياً بناء لحفظ المصالح العليا للمجتمع والدولة، وهو اليوم يمارس دوراً مهماً عبر رئيس المحكمة الدستورية العليا الذي أصبح رئيسا مؤقتاً لحين الانتهاء من الانتخابات البرلمانية والرئاسية والدستورية الجديدة، وهذا الدور الإصلاحي للقضاء في الحياة العامة يذكرنا بالدور الذي لعبته المحكمة الدستورية في الكويت –أيضا- بحلها البرلمان وإقرارها المرسوم الصوت الواحد، لقد كان دورا حكيماً مهدئاً يهدف إلى الاستقرار والأمن وإصلاح ذات البين.

 لقد أثبت الشعب المصري بثورته الثانية أنه شعب حيوي لا يستكين للظلم ولا يقبل المهانة والاستسلام للأوضاع المتردية، شعب يتطلع إلى غد أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً وعدلاً وحرية. لقد انطوت صفحة "الإخوان"، وقد دعاهم الرئيس المؤقت للمشاركة في بناء الوطن، وهذا ما يبنغي أن يكون عليه الحكم الجديد من تفعيل مشاركة جميع القوى السياسية وعدم إقصاء أحد أو الانتقام، ومن حق الإخوان أن يرفضوا وأن يعارضوا وأن يعملوا في الساحة، وعلى الحاكم الجديدة تأمين الحماية الكافية لهم ومنع التحريض ضدهم.

ويبقى أن نقول لدعاة الغمز واللمز إن علاقات قطر بمصر لن تتأثر بزوال حكم الإخوان لأن قطر تتعامل مع دول وشعوب لا مع تيارات سياسية، وخطاب سمو الأمير واضح في أن قطر مع إرادة الشعب في الحرية والكرامة، وأنها لا تحسب على تيار سياسي ضد آخر، كما أن قطر من أولى الدول الخليجية التي هنأت القيادة الجديدة.

* كاتب قطري

back to top