الكويت... قبل فوات الأوان!
من الطبيعي في عصر مفتوح إعلامياً كعصرنا الحالي، وبلد "متمدن" مرن سياسياً مثل الكويت، تتنوع أعراق وأصول مواطنيه، ومقبولة فيه منذ البعيد فكرة الانتماء إلى هذه الطائفة أو تلك أو إلى هذا التيار السياسي أو ذاك، أن يكون للناس وجهات نظر طائفية وفكرية وسياسية مختلفة، ومن الطبيعي كذلك أن يتأثر الناس بالأحداث السياسية التي تجري في العالم من حولنا، فيتفاعلون معها ويميلون إلى هذا الطرف فيؤيدونه أو ذاك الطرف فيؤيدونه.كل هذا مشاهد وممارس في الكويت منذ القديم، ولطالما سار هذا التنوع والاختلاف جنبا إلى جنب، واستمرت الحياة تمضي في الكويت باستقرار نسبي لا بأس به، بالرغم من كل ما كان يتخلله من احتقانات وتوترات سرعان ما كانت تخبو وتنزوي في جحورها، وإن لم تنطفئ أو تموت بالكلية أبداً، فظللنا لذلك نقلق ونحذر منها دائماً.
واليوم وفي ظل ما يجري في سورية من حرب مفتوحة دخل فيها العديد من الأطراف وأصبح لها ما لها من أبعاد سياسية وطائفية واضحة لا لبس فيها ولا تخفى على العقلاء، فمن الطبيعي أيضاً أن يتفاعل الكويتيون معها، ومن الطبيعي والمفهوم أن يميلوا، في الأغلب، وفقا لانتماءاتهم العرقية والطائفية والسياسية لأطراف الصراع الجاري، وبالتالي فمن الطبيعي لذلك أن يختلفوا اختلافا واسعا قد يصل، بل قد وصل، إلى حد التناقض، ولنعترف هنا فنقول بأن كل محاولات الإقناع والتقريب بالموضوعية والمنطق أو بغير ذلك لا تنفع في مثل هذه الظروف والملابسات، مهما ظننا أن الحق واضح مع هذا الطرف أو ذاك.ولطبيعة البشر والأشياء وقبل ذلك لطبيعة الصراع نفسه الجاري في سورية، فمن السخافة أن يظن أحد ما بأن هذا الاختلاف الحاد ما بين طوائف الكويتيين تجاه ما يجري هناك سيظل في الإطار الإنشائي التعبيري السلمي، وأن الناس ستظل تتعامل معه بأريحية فكرية تتقبل الرأي والرأي الآخر، فهذا لا يمكن أن يكون وسرعان ما ستخرج الأمور عن عقالها، وهو ما بدأنا بالفعل نشهد علاماته وأماراته الخطيرة. واليوم وقد ذهب كثير من التحليلات السياسية إلى حد القول إن ما يجري في سورية هو بداية الانفجار لصراع طائفي مشتعل في سائر منطقة الشرق الأوسط، فالخوف كل الخوف أن تصدق هذه التحليلات فتكون واحدة من بدايات ذلك في بلدنا لظروفه السياسية والمجتمعية المليئة بالثقوب والمترنحة أصلا لأسباب عديدة.لا ضير عندي في توجيه رسالة إلى أبناء بلدي من السنّة والشيعة بضرورة ضبط النفس وعدم الانجراف والانحراف واستيراد هذه المصيبة الطائفية إلى الكويت، لأن بلادنا لا تحتمل ذلك، ولكنني أشك حقاً في جدوى ذلك، فالناس اليوم في عمومهم، ليس في الكويت فحسب بل في سائر المنطقة، قد أضحوا مفروزين ومشحونين ومتحفزين إلى مدى بعيد صُمّت فيه آذانهم وأُغلِقَت معها كل نوافذ وأبواب عقولهم.المسؤولية في المقام الأول في رقبة السلطة بأجهزتها الأمنية على وجه الخصوص، فكما أنها استغرقت طوال السنوات الماضية في اللعب والعبث بالملفات السياسية والأوراق الفئوية والطائفية للمجتمع، فهي اليوم، والحال على هذا القدر من الخطورة مما نرى ونشهد، مطالبة بضبط الأمن والاستقرار الداخلي، والتصدي بلا تردد وبكل حزم وحسم لكل ما من شأنه أن يهدد السلم والاستقرار الوطني، سواء من أقوال أو كتابات أو أفعال، من مختلف الأطراف.الكويت بلد لن يحتمل مطلقا اشتعال أزمة طائفية في داخله، وبالتالي فإن تجاهل الشرارات الصغيرة التي نراها تندلع وتتكاثر اليوم وعدم التصدي لها سريعا قد ينتهي باشتعال حريق كبير سيحرق الأخضر واليابس ولن يمكن إطفاؤه حينها، فالله الله بالكويت قبل فوات الأوان.