علة المناهج!
إن إصلاح مناهج التربية لا يعني كما يتوهم بعض المسؤولين في الوزارة أن تزداد صعوبة، وتنتفخ فيها المصطلحات الطويلة والمسميات المعقدة والمعادلات الطويلة، أو أن تتضمن كمّاً هائلاً من تفاصيل التاريخ والجغرافيا، وكأن ذلك تحدٍّ لأبنائنا الطلبة، فكان لهذا الإصرار المعاند وتبديل المناهج لما يقرب من عشر مرات منذ التحرير الأثر السلبي في مخرجات التعليم العام.
تصريحات السيد وزير التربية ووزير التعليم العالي بشأن المناهج التعليمية لم تأت في الوقت المناسب فحسب، بل كردة فعل مساوية لحجم المشكلة ومعاكسة لها في الاتجاه بحسب نظرية نيوتن الشهيرة، فعندما ينتقد أكبر مسؤول على رأس الجهاز التربوي أهم ما في هذا المضمون التربوي فهذه قضية في غاية الأهمية.وانتقاد مناهج التربية ليس بالأمر الجديد، اللهم إنه يأتي اليوم من أصحاب الشأن أنفسهم، فعلى مدى العقدين السابقين سطرت العشرات من الدراسات والتحليلات التي تحذر من مكامن خلل جسيمة في مناهج وزارة التربية ووفق أسس علمية وتربوية، ولكن المسؤولين كانوا يكابرون وتأخذهم العزة بالإثم.
وبالمقابل، كانت ولا تزال شريحة من الإسلاميين المتعصبين يقفون حجر عثرة أمام أي مساعٍ جادة للارتقاء بالمسيرة التعليمية، إما لعقد نفسية أو مشكلة في نمط التفكير، لأنهم يختزلون وبجهل مركب تطوير مناهج التربية من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية عبر فهمهم الضيق والمتخلف بأن هناك مؤامرة على مناهج التربية الإسلامية!إن إصلاح مناهج التربية لا يعني كما يتوهم بعض المسؤولين في الوزارة أن تزداد صعوبة، وتنتفخ فيها المصطلحات الطويلة والمسميات المعقدة والمعادلات الطويلة، أو أن تتضمن كمّاً هائلاً من تفاصيل التاريخ والجغرافيا، وكأن ذلك تحدٍّ لأبنائنا الطلبة، فكان لهذا الإصرار المعاند وتبديل المناهج لما يقرب من عشر مرات منذ التحرير الأثر السلبي في مخرجات التعليم العام.ولهذا نتمنى من الوزير الحجرف أن يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الملاحظات إذا ما أراد بالفعل أن يقتحم عش الدبابير، وأولى هذه الملاحظات تكمن في فلسفة التعليم، أي ما هو الجيل القادم الذي نريد أن ننشئه في ظل المعطيات العالمية في الثقافة والعلوم ومتطلبات بناء الدولة في الداخل. ثانياً، يفترض أن تكون المناهج الجديدة مواكبة للحداثة التكنولوجية، سلسلة في مهارات التعلم الذاتي، وأن يكون التعليم متعة والدراسة "وناسة" وليس مصدراً للقلق والحرب النفسية.ثالثاً، مدارسنا وحتى الجديدة منها لا تزال تصمم على النمط التقليدي الجالب للكآبة والتقييد، وفقيرة إلى حد الإفلاس في البنية التحتية والتقنية سواء في التجهيزات أو حتى التمديدات الأساسية، وهذا المستوى لا يتناسب مطلقاً مع التعليم العصري الذي انطلق منذ عقد من الزمن على الأقل وبكل قوة في العديد من الدول المتفوقة تربوياً.رابعاً، المناهج الجديدة يجب أن تتضمن تربية متواصلة لما يعرف بالمفاهيم السلوكية وبناء الشخصية الإنسانية، لا أن تدّرس أفكار سطحية في هذا المجال في صف الاحتياط أو النشاط الحر.خامساً، من الأهمية بمكان التدرج في إعادة تقييم المناهج والبدء بها مع الصف الأول الابتدائي ثم الاستمرار في بقية المراحل، حيث فشلت حقول التجارب في تغيير مناهج الثانوية مرة كل سنتين كمحاولة يائسة لإعداد الطالب من جديد بعدما ترعرع لمدة عشر سنوات تقريباً في بيئة مدرسية ومناهج ضعيفة ومعقدة.ويبقى أن ينال الوزير وأركان وزارته كل الدعم في هذا المشروع الذي بالتأكيد سوف يساهم في تغيير معالم البلد من خلال أبنائه!