غنيمة فهد المرزوق... سيرة عطاء لا يطفئها الموت
شيّعتها الكويت أمس مفتقدة واحدة من رائدات العمل الصحافي والاجتماعي والإنساني والخيري
غيّب الموت غنيمة فهد المرزوق التي شيعت أمس في أجواء من الحزن على رائدة في العمل الخيري والاجتماعي والنسائي والإعلامي، تجاوزت مآثرها الكويت إلى العالمين العربي والإسلامي.
غيّب الموت غنيمة فهد المرزوق التي شيعت أمس في أجواء من الحزن على رائدة في العمل الخيري والاجتماعي والنسائي والإعلامي، تجاوزت مآثرها الكويت إلى العالمين العربي والإسلامي.
رائدات كثيرات في العديد من المجالات عرفتهن الكويت، وكن من الأوائل، وفي مقدمة الصفوف، لكن بعد التقاعد آثرن الالتفات إلى أنفسهن وأسرهن وهواياتهن بعيداً عن الأضواء، حتى كدن يصبحن في طي النسيان، ولكن الفقيدة غنيمة فهد المرزوق، رحمها الله، ستبقى أبد الدهر علماً يرفرف في سماء الأوائل، ونبراساً متقداً ينير دروب كل من يطمح من فتيات الكويت إلى الوصول إلى أعلى قمم التميز وسيرة الخلود في الذاكرة الكويتية.رحم الله غنيمة المرزوق وأسكنها فسيح جنانه... هذه المرأة المعطاء بلا حدود...وإحدى الكويتيات الرائدات في مجال العمل الصحافي والاجتماعي والإنساني والخيري بشكل عام... ورائدة الصحافة الأسرية في الخليج العربي التي تدافع عن الشؤون الأسرية وقضايا المرأة. وشاركت في تأسيس العمل التطوعي للمرأة الكويتية، وشغلت القضايا العربية والقومية مساحة كبيرة من فكر وكتابات المرزوق، وتم تكريمها في العديد من المحافل والمهرجانات لدورها الثقافي والإعلامي.
غنيمة المرزوقوالد غنيمة هو المرحوم فهد مرزوق المرزوق، الذي عمل بالتجارة بين الكويت والهند، وعُرِفَ -رحمه الله- بنشاطه الواسع، وإلى جانب انشغاله في التجارة تم اختياره عضواً في مجلس المعارف، وعضواً مؤسساً للمجلس البلدي، ولبنك الكويت الوطني.يكفي أنها أول من ابتكر فكرة طبق الخير في الكويت، ليصبح بعد ذلك تقليداً وسنّة يتبعها كل من يريد السير على هذا الدرب من الأفراد والجمعيات، حتى نعرف كم لها من "إنجازات" في هذا المضمار الذي كانت ومازالت السبّاقة فيه.ويكفي أنها كانت وراء فكرة "قرى الحنان" التي أنشأتها في السودان ولبنان، لتكون الحضن والبيت والمدرسة التي ضمت على مدى سنوات ألوف الأيتام، حتى نعرف أي قلب تملك ينبض دائماً بالعطاء.رحلة الطفولة... والكتابةمن ذكريات الفقيدة قالت رحمها الله: فترة الطفولة هي أمتع فترات حياتي... حياتي كانت كحياة أي طفلة في مجتمع هادئ بسيط، تربط بين أفراده علاقات الأسرة الواحدة علاقات حميمة. كانت الكويت عبارة عن أحياء ثلاثة، هي: حي "جبلة" كما ننطقها في الكويت، وحي "شرق" وحي "وسط"... أنا ولدت في حي "القبلة" والدي وجدي رحمهما الله كانا يعملان في التجارة. كانت لهما تجارتهما في الهند والكويت. كان البحر مصدر رزق الكويتيين: غوصاً بحثاً عن اللؤلؤ، أو مسرحاً لسفن الكويتيين للتجارة. كنا ميسورين، لكن كنا نتصرف بحساب في الملبس والمأكل. نكاد نقول مجتمع الكويت في زمن الطفولة كان خالياً من المشاكل. كان مجتمعاً بلا مشاكل. مجتمعاً رائعاً منفتحاً يرتبط بالإسلام وبالعروبة، أما عن العلاقة في الأسرة بالنسبة للوالد والوالدة والشقيق والشقيقة فكانت علاقة محبة وصداقة وعلاقة دفء وحرارة ورعاية وحماية وتشجيع للحوار الديمقراطي والشورى، ومن هنا كانت روعة مرحلة الطفولة.أما عن اكتشافها لموهبة الكتابة الكامنة في أعماقها؟ فقالت رحمها الله: بيتنا كان بيتاً مثقفاً "إذا جاز التعبير"، شقيقي المرحوم مرزوق كان يدرس بالجامعة الأميركية في بيروت، وكان حريصاً على تزويدنا بالكتب والإصدارات الحديثة. كنا نلتهم هذه الكتب ونتعرف على أخبار الدنيا من الصحف والمجلات التي تصل إلى الكويت من القاهرة أو بيروت، وكنا نهتم بقضايا أوطاننا وعروبتنا. وخلال مرحلة الدراسة في ثانوية "قبلة" اختار الله شقيقي المرحوم مرزوق إلى رحابه. عندها سجلت مشاعري الحزينة لفراق الشقيق في مقال رثاء قرأته مدرسة اللغة العربية وشجعتني على إرساله إلى مجلة "البعثة" التي كانت تصدر عن بيت الكويت "السفارة بعد الاستقلال" في القاهرة، ونشر المقال في المجلة، ثم اشتركت في مسابقة لكتابة القصة القصيرة، نظمتها مجلة "البعثة" وفوجئت بفوزي بالجائزة الثانية. وهكذا اكشتفت موهبة الكتابة وبدأت أتجه نحو بلاط صاحبة الجلالة، وكان قراري الذي وجد ترحيباً من الوالد والأسرة بدراسة الصحافة، لأنني أدركت منذ البداية أن الموهبة الفطرية لا تكفي وإنما لابد من صقلها بالدراسة. وبما أنه لم يكن بالكويت جامعة فكان القرار بالسفر إلى القاهرة والالتحاق بجامعاتها في أول قسم أنشئ للصحافة بالجامعات المصرية.رحلتها مع الصحافةكانت الفقيدة من أولى الكويتيات اللاتي درسن الصحافة في جامعة القاهرة، وكان للمرحومة رؤية خاصة للصحافة، فقد كانت تنظر لها على أنها رسالة في الأساس، لكنها الآن على ضوء التغيرات الكثيرة من حولنا. قالت الفقيدة أصبحت الصحافة تجارة وصناعة، وفي رأيها لاعيب في ذلك بشرط أن تظل في نظر أصحابها والعاملين في بلاطها رسالة، وتلك أيضاً معادلة صعبة لكنها غير مستحيلة.وأم هلال -رحمها الله- كانت أول رئيسة تحرير مؤهلة ومعنية بالأسرة وقضايا المرأة، فقد حددت أهدافها في بداية عملها عندما أصدرت أول عدد من مجلة "أسرتي". وتعكس افتتاحية العدد الأول من المجلة هذه الأهداف التي تلخصت في بناء أسرة متماسكة وسعيدة مرتبطة بجذور ومبادئ نابعة من كوننا مجتمعاً مسلماً وعربياً، دون أن يكون هذا الارتباط عائقاً أو قيداً على حركتنا نحو الحداثة والمعاصرة من دون الانسلاخ عن الجذور أو التحلل من القيم والمبادئ.ويحسب للفقيدة أنها من الصحافيات اللاتي أسسن جمعية الصحافيين الكويتية، حيث تشاركت مع عدد من الزملاء بدء التحرك لتأسيس الجمعية الصحافية الوحيدة. كما كرمت أخيراً بحصولها على جائزة المرأة الكويتية المتميزة نظير أعمالها والإنجازات التي قيدت في رصيدها المهني والخيري.غنيمة وحقوق المرأة ترى الفقيدة أن المرأة الكويتية حصلت على حقوقها كاملة قبل أن تدخل الوزارة أو مجلس الأمة، والسبب يرجع إلى المنزلة التي وضع الإسلام فيها المرأة، فالإسلام قد أعطى لها جميع الحقوق متساوية مع الرجل في الحقوق والواجبات، وتاريخنا الإسلامي مملوء بنماذج من النساء اللواتي قدمن الكثير وتركن بصمة عبر التاريخ الإسلامي. هذه من ناحية أما من ناحية المرأة الكويتية فقد أعطاها الدستور الحق ولم يمنعها من ممارسة حقوقها والوصول إلى أعلى المناصب.وفي ما يتعلق بدخول المرأة مجلس الأمة، انتخاباً وترشحاً، فمن وجهة نظرها ان الموقف كان مسألة وقت لتحصل عليه المرأة، وعندما سنحت الفرصة للمرأة الكويتية أن تتولى الحقيبة الوزارية تحقق لها ذلك أيضا، فلم يكن الموقف إذن نوعاً من الحرب بين الرجل والمرأة وإنما كان مسألة وقت لتحصل على حق الانتخاب والترشح وعضوية المجلس أو الوزارة.غنيمة... والأسرةتقول الفقيدة: قابلت صعوبات، فالعمل الاعلامي ليس سهلاً، والصحافة بالنسبة للمرأة في ذلك الوقت لم تكن عملاً متاحاً لكن الأمر اختلف بالنسبة لي، فقد وجدت من يقف بجانبي. إنه شريك حياتي المرحوم فجحان هلال المطيري ساندني وقدم لي العون في إدارة المجلة. أما عن قصة زواجهما قالت: عندما كنت أدرس في القاهرة تقدم لي المرحوم فجحان هلال المطيري حين كان يدرس بالقاهرة، وبنفس الوقت كان رئيس اتحاد طلبة الكويت، وقد كان مقر الرئيس في القاهرة، وكنت أنا رئيسة اللجنة الثقافية للاتحاد، ومن الأشياء الطريفة أنه في إحدى زياراته قال لي، هل لديك رغبة في أن تكوني صحافية؟ فأجبت بنعم، فقد كنت وقتها أدرس في سنة أولى صحافة جامعة القاهرة أول قسم أنشئ للصحافة، فقدم لي ورقة عبارة عن تصريح بإصدار مجلة صادرة من وزارة الإرشاد والأنباء "الإعلام حالياً"، وكان عبارة عن ترخيص مجلة قد اشتراه من المرحوم "حمد العيسى" المحامي 1964، وغيّرنا الاسم إلى مجلة "أسرتي"، إشارة إلى أن هناك أسرة جديدة تتكون. السيرة الذاتية• غنيمة فهد المرزوق• ولدت في حي "جبلة" بمدينة الكويت، ودرست في المدرسة القبلية في مراحل تعليمها الأولى.• كاتبة صحافية، صاحبة امتياز ورئيسة تحرير مجلة "أسرتي"، ورئيسة مجلس إدارة مؤسسة فهد المرزوق الصحافية.• عقب انتهاء دراستها بقسم الصحافة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، أصدرت مجلة "أسرتي" التي تعتبر أول مجلة متخصصة في شؤون الأسرة في منطقة الخليج عام 1964، عاشت مرحلة الستينيات في مصر وتأثرت بحركة المد القومي بزعامة جمال عبدالناصر.• اكتشفت موهبتها الفطرية في الكتابة في سن مبكرة، ولقيت التشجيع من مدرستها، ووالدها الذي وافق على قرارها بصقل الموهبة بالدراسة، بعد حصولها على الثانوية العامة، وقرارها بالسفر للدراسة الجامعية في مصر.• أسست "مركز فهد المرزوق لثقافة الطفل" لوضع القدوة أمام أطفالنا، وفقاً لمنهج تربوي إسلامي يستمد جذوره من قيم الدين الحنيف.• اختارها قسم الإعلام بكلية الآداب في جامعة الكويت عام 2001 شخصية العام الثقافية والإعلامية تقديراً لجهودها.• مؤسسة جمعية الصحافيين الكويتية ضمن مؤسسيها من رواد الصحافة الأوائل.• زوجة المرحوم فجحان هلال المطيري، ابن تاجر اللؤلؤ الثري المعروف في التاريخ الكويتي هلال المطيري، وهو أول مدير لمكتب سمو الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم، وكان عضواً في مجلس إدارة مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، وعضواً في مجلس إدارة شركة الصناعات البترولية، كما كان وكيلاً لديوان المحاسبة، ثم أصبح رئيساً له.• رُزقت منه -رحمه الله- بخمسة من الأبناء، أكبرهم "غيداء"، وهي طبيبة ناحجة ومعروفة، و"هلال" مدير عام مؤسسة فهد المرزوق الصحافية، و"منى" استشارية نفسية بمكتب الإنماء الاجتماعي بالديوان الأميري، و"علا" كاتبة صحافية -كوالدتها- ونائبة رئيس تحرير مجلة "أسرتي" و"مرزوق" وهو آخر العنقود، يعمل في مؤسسة استثمارية. أحفاد غنيمة المرزوق منهم اثنان سميا "فجحان" على اسم الجد، وثلاث بنات أسماؤهن "غنيمة" تيمناً بالجدة، كما أن واحدة سُميت باسم الخالة "سارة" تقديراً لها.