ألقى ممثل حضرة صاحب السمو أمير البلاد سمو الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء كلمة دولة الكويت في الدورة الثامنة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة هذا نصها- "بسم الله الرحمن الرحيم السيد الرئيس.

Ad

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

يسرني في البداية أن أتقدم باسم حكومة وشعب دولة الكويت بخالص التهنئة لكم ولبلدكم الصديق انتيغوا وبربودا لانتخابكم رئيسا للدورة الثامنة والستين ونحن على ثقة بأن خبرتكم الواسعة في العمل الدولي سوف تمكنكم من إدارة أعمالها بحنكة واقتدار متمنين لكم دوام التوفيق والنجاح.

كما أود التوجه بالشكر إلى سعادة السيد فوك جيريمك على جهوده خلال رئاسته لأعمال الدورة الماضية.

ولا يفوتني في هذا المقام إلا أن أشيد أيضا بالجهود الكبيرة والمتواصلة التي يبذلها معالي الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون في قيادة هذه المنظمة والعمل على نشر رسالتها السامية الرامية إلى حفظ السلم والأمن الدوليين لتحقيق تطلعات دول وشعوب العالم في عالم أفصل يضمن حياة كريمة لكل البشر.

تدين دولة الكويت وبشدة العمل الإرهابي المشين الذي وقع في أحد المراكز التجارية في نيروبي يوم السبت الموافق 21 سبتمبر 2013 وتتقدم الى حكومة وشعب جمهورية كينيا الصديقة ولأسر الضحايا بأحر التعازي.

كما نود أن نؤكد على دعمنا الكامل لمملكة البحرين الشقيقة ولكافة الإجراءات والتدابير التي تتخذها للمحافظة على أمنها واستقرارها ورفاهية مواطنيها.

السيد الرئيس...

أصحاب المعالي.

السيدات والسادة.

يمثل حفظ السلم والأمن بشقيه الإقليمي والدولي أهمية كبيرة في أولويات السياسة الخارجية لدولة الكويت والتي تستند في مبادئها وأهدافها إلى ميثاق الأمم المتحدة والأحكام المتصلة بالقانون الدولي الداعية إلى بناء جسور الثقة وحسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتعزيز المفاهيم المرتكزة على التعايش السلمي وكذلك العمل على إتباع الوسائل والحلول السلمية لتسوية النزاعات والخلافات.

ولقد احتفلت دولة الكويت في شهر نوفمبر من العام الماضي بالذكرى الخمسين للمصادقة على دستورها والذي كان بمثابة خلاصة لتجربة متميزة عكست العلاقة بين الحاكم والمحكوم والتي آلت وبانسيابية تاريخية إلى ممارسة ديمقراطية ومشاركة شعبية تجسدت فيها معاني وقيم التطور والنماء السياسي والتي ارتكزت على السلام والعمل من أجله وكذلك الحرص على تطوير وتعزيز العلاقات مع الدول المجاورة وفق مبادئ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والتسامي على جراح الماضي في سبيل رسم مستقبل أفضل للمنطقة والعالم.

وفي هذا السياق أود أن أشيد بالعلاقات الثنائية مع جمهورية العراق وجهود الحكومة العراقية لتنفيذ التزاماتها الدولية تجاه دولة الكويت تنفيذا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة حيث شهدت علاقاتنا الثنائية تطورا ايجابيا ملموسا من خلال التواصل على أعلى المستويات بين قيادتي البلدين متجاوزين الخلافات السابقة بين البلدين متطلعين إلى تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية في المستقبل لما فيه خير ومصلحة شعبي البلدين.

كما نتطلع إلى تعاون حقيقي مع جمهورية العراق للكشف عن رفات المفقودين الكويتيين ورعايا الدول الثالثة والبحث الجاد عن الأرشيف الوطني لدولة الكويت تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 2017 لسنة (2013) الذي جاء نتيجة للتفاهم الذي تم لنقل مسؤولية متابعتهما من المنسق الدولي رفيع المستوى إلى بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق.

وفي هذا الصدد نشيد بجهود الأمين العام للأمم المتحدة وحرصه على تسريع إنهاء هذين الملفين والكشف عن مصير بقية المفقودين وإنهاء المعاناة الإنسانية لأسرهم.

السيد الرئيس...

مضى أكثر من سنتين ونصف السنة على اندلاع الأزمة في سوريا تلك الأزمة التي تجاوزت وصف الكارثة الإنسانية لتقترب وبشكل متسارع لوصف "النكبة" مع تعاظم أرقام الضحايا وتضاعف أعداد المفقودين والنازحين داخليا وخارجيا وتكرار مشاهد الدم والعنف والدمار والقهر والانتهاك لأبسط معاني وقيم الإنسانية بحيث باتت عائقا لأي حلول قريبة قادرة على احتوائها رغم الجهود الكبيرة والمتواصلة التي بذلت على المستويين الإقليمي والدولي إلى ذلك نجد أن مجلس الأمن بات أمام مسؤولية تاريخية مفصلية للبدء في خطوات جادة وملموسة تكفل إيجاد حلول تضمن حقن دماء الأشقاء من الشعب السوري وتحقق مطالبهم وتعيد الأمن والاستقرار لبلادهم.

واستجابة لمعاناة الشعب السوري جراء تفاقم الأزمة ونتائجها المدمرة استضافت دولة الكويت في شهر يناير الماضي المؤتمر الدولي للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا وقد حقق هذا المؤتمر النتائج المرجوة من بعد أن تجاوزت التعهدات والمساهمات المبلغ المستهدف وهو مليار ونصف المليار دولار وقد ساهمت دولة الكويت ب300 مليون دولار من إجمالي المبلغ تم تسديدها بالكامل لعدد من أجهزة ووكالات الأمم المتحدة والتي ترجمت على أرض الواقع على شكل مساعدات إغاثية عاجلة للشعب السوري في الداخل والخارج ولا يفوت دولة الكويت أن تتقدم بالشكر لكافة الدول المشاركة في مؤتمر المانحين والتي عكست مشاركتها اهتمامها وقلقها من تدهور الأوضاع الإنسانية في سوريا.

ندرك جميعا بأن حفظ السلم والأمن هو الباب الرئيسي لبقية أبواب الحياة الكريمة والرخاء والإبداع الإنساني وأن عوامل التنمية بمجالاتها كافة كالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية والثقافية لا يمكن لها العمل في ظل انعدام أو انحسار عوامل الأمن والسلم.

إن منطقة الشرق الأوسط لا تزال تعاني من تحديات مزمنة عملت على تعطيل الرؤية المستقبلية المرتكزة على التنمية والتعاون الإقليمي والدولي إضافة إلى احتقان الأوضاع السياسية والأمنية فيها وذلك لانعدام الثقة بسبب استمرار إسرائيل في سياساتها الاستيطانية غير المشروعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة واستمرار حصار قطاع غزة واعتقال الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني بسجونها في ظروف تتنافى مع ابسط قواعد القانون الإنساني الدولي تلك الممارسات التي بلغت حدتها بعد حصول دولة فلسطين على صفة الدولة المراقب في هذه المنظمة.

وفي هذا الصدد نجدد تأكيدنا بأن المجتمع الدولي هو الذي يمتلك قدرة تحقيق معادلة السلام الصعبة ونثمن في هذا المقام الجهود المتواصلة للولايات المتحدة الأمريكية في إحداث انفراج في عملية السلام آملين في مواصلة الجهود والضغط على إسرائيل لحملها على القبول بقرارات الشرعية الدولية.

وعلى الصعيد الإقليمي ذاته ... وفيما يتعلق ببرنامج إيران النووي فإن دولة الكويت تدعم استمرار الجهود القائمة لحل هذه الأزمة بالطرق السلمية وبما يضمن لجمهورية إيران الإسلامية وجميع دول المنطقة حق الاستخدام السلمي للطاقة النووية تحت إشراف ورقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية كما ندعو جمهورية إيران الإسلامية إلى التعاون الكامل مع الجهود الدولية المبذولة والعمل على تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وأيضا التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتنفيذ قراراتها للخروج من هذه الأزمة التي خيمت ولسنوات عدة على المنطقة وأثارت الشكوك وأشاعت أجواء من عدم الاستقرار والتوتر.

السيد الرئيس...

احتفلت دولة الكويت هذا العام بمناسبة الذكرى الخمسين لانضمامها لهذه المنظمة العريقة وقد حرصت منذ ذلك الوقت على تقديم الدعم للعديد من الوكالات والأجهزة والمنظمات التابعة لها بفاعلية كبيرة إيمانا منها بأهمية العمل الدولي المشترك في ظل تعاظم وتزايد التحديات على كافة الأصعدة والمستويات حيث بات المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة أمام محك حقيقي لاختبار الإرادة الدولية والشراكة العالمية في مواجهتها.

لقد مثل اعتماد الأهداف الإنمائية للألفية تحولا كبيرا في قدرة الأمم المتحدة على حشد الإرادة السياسية العالمية من أجل القضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة معبرة بذلك وبصورة واضحة عن مدى نجاح الإدارة الدولية وجدوى الشراكة العالمية إلا أن بروز تحديات جديدة رئيسية مرتبطة إما باختلالات أمنية ناتجة عن عدم الاستقرار وما يرافقها من انتهاكات لحقوق الإنسان أو تحديات متصلة بالتدهور البيئي الذي يهدد عالمنا وغيرها من التحديات الطارئة الخطيرة يفرض علينا كمجتمع دولي حتمية إعادة التفكير بإعداد خطة شاملة وطموحة للتنمية بحيث تكون بمثابة استكمال للجهود المبذولة لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية من خلال صياغة أهداف للتنمية المستدامة ودمجها بشكل يتفق مع خطة التنمية لما بعد 2015 لإحداث نقلة فريدة من نوعها لشراكة عالمية متجددة تستكمل البناء على الأسس العلمية لإعلان الألفية ومبادئ ونتائج مؤتمر قمة الأرض في البرازيل (ريو 20) وذلك لمساعدة الشعوب التي مثلت لها تلك الأهداف أملا في خلق عالم أمثل وحياة أفضل خاصة في الدول الأقل نموا أو تلك التي ما زالت تتعافى من الصراعات والنزاعات وفي هذا السياق نشير هنا إلى أهمية إيلاء المجتمع الدولي اهتماما دقيقا لدعم أسس التنمية لتحقيق الأمن والاستقرار في كل من الصومال وأفغانستان.

ودولة الكويت إذ تعد إحدى الدول النامية إلا أنها ومنذ استقلالها عام 1961 أولت اهتماما كبيرا لتقديم المساعدات العينية والمادية للدول النامية والدول الأقل نموا عبر آليات ومبادرات عديدة حيث يعتبر الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية أحد الأجهزة الرئيسية المعبرة عن النهج الراسخ والثابت لدولة الكويت في ترجمة وعودها وسياساتها بأهمية التعاون الدولي ومساعدة الشعوب المحتاجة إلى تطبيقات فعلية على أرض الواقع حيث خرج الصندوق وبعد نشأته من الطور الإقليمي العربي لتمتد أنشطته ومساعداته التنموية إلى دول آسيوية وافريقية ودول أمريكا الوسطى وأمريكا اللاتينية.

وفي هذا المجال فقد قدمت دولة الكويت مساهمة مالية مرحلية بمبلغ 500 مليون دولار لجمهورية اليمن لتمويل المشاريع التنموية الواردة في البرنامج المرحلي للأعوام 2012-2014 وذلك لدعم تنفيذ الانتقال السلمي للسلطة وفق المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية الرامية لإنهاء الأزمة في اليمن والعمل على ترسيخ الأمن والاستقرار فيه وتأهيل القطاعات التنموية لتحقيق الطموحات والتطلعات المشروعة للشعب اليمني في الوصول إلى بر الأمان من خلال ترسيخ الديمقراطية ودولة المؤسسات الرسمية الفاعلة.

السيد الرئيس...

إن دولة الكويت وفي إطار اهتمامها الكبير لتعزيز وتكثيف العمل المتعدد الأطراف بشقيه الإقليمي والدولي باعتباره أحد الروافد الرئيسية لمراجعة أوجه التعاون والتنسيق في العديد من المجالات الحيوية والسياسية فقد استضافت دولة الكويت العديد من القمم والمؤتمرات الإقليمية والدولية والتي تناولت وركزت على الكثير من القضايا والتحديات والآمال والتطلعات في دعم المبادرات الرامية لخلق ظروف أفضل لشعوب المنطقة والعالم.

وامتدادا لهذا النهج المبني على التنسيق وروح المبادرة سوف تستضيف دولة الكويت في شهر نوفمبر القادم القمة العربية الأفريقية الثالثة التي تأتي تحت شعار "شركاء في التنمية والاستثمار" والتي نأمل في أن تتوج بنتائج تعمق أسس التعاون العربي الأفريقي وتفتح آفاقا جديدة تخدم الاستقرار والتنمية والتعاون بين شعوب دول هاتين المجموعتين.

كما تستضيف دولة الكويت استكمالا لاستحقاقات إقليمية مترسخة الدورة الرابعة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في ديسمبر من العام الجاري وكذلك القمة العربية العادية الخامسة والعشرين في شهر مارس 2014 .

وفي الختام لا يسعني إلا أن أؤكد تمسك دولة الكويت بالنظام الدولي متعدد الأطراف وبمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة والإيمان بأهمية وضرورة وفاء جميع الدول بالتزاماتها ومسؤولياتها التي تعهدت بها في الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية بما يساهم في إيجاد حلول عادلة ومنصفة للتهديدات والتحديات العالمية وذلك للوصول إلى الهدف الأسمى وهو حفظ السلم والأمن الدوليين.