خمس ضلالات عما يجري في مصر

نشر في 28-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 28-07-2013 | 00:01
 ياسر عبد العزيز يتبادل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في مصر الآن طرفة مفادها أن الرئيس السابق محمد مرسي يمتلك مهارة تفوق حجم ما يمتلكه مبارك، والسادات، وعبدالناصر، والملك فاروق مجتمعين، لأنه "استطاع أن يخلص المصريين من شرور (الإخوان المسلمين) في سنة واحدة، وهو الأمر الذي عجزوا عنه جميعاً على مدى عشرات السنين".

يسود انطباع قوي في مصر بأن "الإخوان" لن يعودوا إلى المشهد السياسي ثانية بوصفهم القوة السياسية الأبرز كما ظهر على مدى العامين الأخيرين، أو حتى بوصفهم الرقم الصعب في معادلة السياسة المصرية كما كان على مدى العقود الثلاثة الفائتة.

يستند هذا الانطباع إلى الفشل المرير الذي حققته الجماعة في جميع الملفات المهمة التي تصدت لها بوصفها صاحبة السلطة الوحيدة في البلاد منذ وصول مرسي إلى الرئاسة قبل سنة كاملة. والواقع أن الإنصاف يقتضي القول إن الجماعة استطاعت تحقيق النجاح في ملف مهم يتعلق بالرأي العام العالمي والإعلام الدولي تحديداً، والذي بات منحازاً لها بامتياز، في الكثير من التغطيات الإعلامية لما يجري في مصر راهناً.

هناك أسباب عديدة تفسر نجاح الجماعة في تحقيق التمركز الجيد في وسائل الإعلام العالمية، ومن ثم في الرأي العام العالمي؛ ويعود بعض هذه الأسباب إلى اعتبارات ثقافية وسياسية وتاريخية عامة لا دخل للجماعة بها، لكن بعض هذه الأسباب يرجع إلى جهد منظم وموارد وأموال سخرتها الجماعة لتأمين رأي عام دولي مؤيد لها.

من أسباب تحسن موقف الجماعة في الرأي العام العالمي على هامش أزمتها الأخيرة، أن العالم الحر تحديداً يرفض بشكل مبدئي فكرة تدخل الجيوش في الحكم، ويمتلك آليات ديمقراطية محكمة ودرجة تنمية بشرية واقتصادية تسمح بترشيد نتائج الانتخاب، وثقافة ديمقراطية متقدمة تسمح بتصحيح أي خلل في منظومات الحكم بطريقة مشروعة عبر الانتخابات المبكرة أو القرارات السياسية الجذرية المتجاوبة مع مطالب الجمهور.

ومن تلك الأسباب أيضاً عدم القدرة على فهم طبيعة القوات المسلحة المصرية، التي تختلف بالطبع عن الصورة التقليدية للمؤسسات العسكرية في دول أميركا اللاتينية أو إفريقيا، وبالتالي صعوبة تفهم المكانة التي يحظى بها الجيش المصري في الوجدان الشعبي، ولا تاريخه في بناء الدولة الوطنية والذود عنها، ولا طبيعته كعاكس أمين للنسيج الوطني، ومؤسسة وطنية جامعة، وليس طغمة من الجنرالات الفاسدين أو الساعين إلى السلطة، وليس جيشاً يمثل طبقة اجتماعية أو طائفة مذهبية.

أما ما يجعل الجماعة جديرة بالثناء على جهدها في حرف قطاع كبير من مواقف الرأي العام العالمي وتوجهات الصحافة الدولية؛ فهو قدرتها على استخدام التنظيم الدولي، وشبكة العلاقات الخارجية، ووسائط التواصل الاجتماعي، وبناء الجسور مع المؤسسات الإعلامية العالمية، إضافة إلى ضخ الأموال الوفيرة في شركات العلاقات العامة المتخصصة التي عملت كظهير لها وعامل أساسي في ترويج حججها المتهافتة والمراوغة.

ونتيجة للأسباب الموضوعية السابق ذكرها، ولجهد الجماعة الواضح، بدا قطاع في الرأي العام العالمي، والتغطيات الإعلامية الدولية، أكثر تأييداً لمواقف الجماعة وهجوماً على التغيير السياسي الذي طرأ على المشهد المصري أخيراً.

ويمكن القول إن قطاعاً من الرأي العام العالمي بات أسيراً لجملة من الضلالات المتعلقة بذلك التغيير، وأصبح أداة للترويج لها، ومن ثم الضغط على الإرادة الشعبية الكاسحة بإطاحة حكم الجماعة، وهي الإرادة التي امتثل لها الجيش وعبر عنها بأمانة كعادته دائماً.

تتعلق الضلالة الأولى في هذا الصدد بمقولة إن "مرسي رئيس شرعي منتخب تم الانقلاب عليه"، وهي كذبة مكتملة الأركان وشديدة التبجح لكل مراقب منصف للوضع المصري الراهن.

لقد فقد مرسي شرعيته مرات عديدة؛ كانت أولاها عندما أصدر إعلاناً دستورياً هزلياً في نوفمبر الماضي، وهو الإعلان الذي حصّن فيه قراراته ضد أي نوع من أنواع المساءلة والمحاسبة، في وقت كان يجمع فيه كل السلطات في يديه، وهو الإعلان الذي اضطر صاغراً إلى العودة عنه وتخفيفه إثر تظاهرات عارمة أسقطته عنوة.

ثانية تلك المرات كانت حين أتاح مرسي لأنصاره من اليمين الديني المتشدد حصار المحكمة الدستورية العليا، وهي أعلى محكمة في البلاد، بغرض منعها من إصدار أحكام مبرمة حيال الجمعية التأسيسية التي صاغت الدستور منفردة في غيبة أي تيار آخر، والحؤول دون أن تصدر حكماً بحل مجلس الشورى.

سقطت شرعية مرسي أيضاً حين أطاح النائب العام، وعين نائباً عاماً آخر بقرار فردي على غير ما يقتضيه الدستور والقانون، وحين أوعز لحلفائه بمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي، وحين شن الهجمات الساحقة على وسائل الإعلام والإعلاميين المعارضين، مما دعا مؤسسات حقوقية وإعلامية دولية معتبرة إلى تصنيف مصر كـ"دولة غير حرة إعلامياً"، وتصنيف "الإخوان المسلمين" بين "صائدي الحريات" في العالم.

تداعت شرعية مرسي أيضاً حين أصدر دستوراً لا يعكس الحد الأدنى من التوافق بين المصريين، وحين سمح لأعوانه بقتل المتظاهرين وتعذيبهم على أسوار القصر الرئاسي، والأهم من ذلك أن شرعيته انهارت حين عجز عن إدارة البلاد، وأدخلها نفقاً معتماً من خلال أدائه العاجز الفاشل، الذي انعكس سلباً على حياة المصريين.

من بين الضلالات التي يلوكها قطاع من الإعلام العالمي أيضاً أن تجاوب الجيش مع الإرادة الشعبية بعزل مرسي قد يقود البلاد إلى حرب أهلية. والواقع أن مرسي هو من عزز احتمالات الاحتراب الأهلي عبر محاولاته الدائبة لـ"أخونة" الدولة، والتمكين لـ"أهله وعشيرته"، والسماح لأعوانه بتهديد المصريين بالعنف والإرهاب، وممارسة العنف والتعذيب وقطع الطرق بحق المصريين تأييداً له وإرغاماً لهم على قبول سلطته.

أما الضلالة الثالثة فتتعلق بمحاولة تصوير ما جرى في مصر في الثالث من يوليو الجاري على أنه "انقلاب عسكري"، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق، حيث تحرك الجيش لعزل مرسي بعد خروج عشرات ملايين المصريين للشوارع بمطالب سياسية ديمقراطية محددة، وبسلمية مذهلة، وبعد رفض مرسي المتعنت للتجاوب مع تلك المطالب، بتغيير الحكومة الفاشلة، أو بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، أو حتى بإبعاد النائب العام، أو تقديم ضمانات بإجراء انتخابات نزيهة، فضلاً عن تعديل الدستور.

تتعلق الضلالة الرابعة بأن إطاحة مرسي تمثل انقضاضاً على العملية الديمقراطية، وهي ضلالة مزدوجة؛ مرة لأن مرسي لم يكن ديمقراطياً أبداً، بل كان دكتاتوراً فاشلاً وعاجزاً، ورهينة لجماعة فاشية، سعت إلى استخدام "سلم" الديمقراطية للصعود إلى الحكم، ثم اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع أي قوة سياسية أخرى من المنافسة النزيهة للوصول إلى السلطة عبره، ومرة أخرى لأن الحكم الجديد في مصر أعلن خريطة طريق تضمن المضي قدماً في الطريق الديمقراطي، وتتضمن جدولاً زمنياً لتعديل الدستور وإجراء الانتخابات والدعوة إلى أي نوع من الرقابة أو الإشراف عليها لضمان نزاهتها.

أما الضلالة الخامسة فتتصل بالحديث عن أن إطاحة مرسي ليست سوى عمل ضد "المشروع الإسلامي" الذي يمثله، وهي ضلالة يسهل الرد عليها جداً، لأن مرسي لم يقدم ما يفيد أنه يمتلك مشروعاً في الأساس، فضلاً عن أن يكون هذا المشروع إسلامياً من جهة، ولأن إطاحته لا تتعلق بالإسلام من قريب أو بعيد، إنما تتعلق بإبعاد حاكم فاشل مرتبك أظهر تشبثاً بالحكم دون أن يحاول استخدامه لمصلحة الوطن من جهة أخرى.

على الحكم الجديد أن يبذل جهوداً كبيرة في الأيام المقبلة ليفند الضلالات الخمس التي هيمنت على رؤية قطاع من الرأي العام العالمي للتغيير السياسي الذي يجري في مصر راهناً، وهي الجهود التي يجب أن تشمل إجراءات وتدابير ديمقراطية على الأرض بموازاة محاولات إبرازها وترويجها.

* كاتب مصري

back to top