بمناسبة ترجمة روايتها «إله الصدفة» ضمن «إبداعات عالمية»

نشر في 20-10-2013
آخر تحديث 20-10-2013 | 00:02
الكاتبة والروائية الدنماركية كريستين تورب:
مشكلة الأدب الغَرَق في سيرك «الميديا»

جرياً على عادته في رفد المكتبة الكويتية والعربية بأعمال أدبية عالمية، من خلال ترجمتها إلى العربية ضمن سلسلة «إبداعات عالمية»، اختار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت رواية «إله الصدفة» للكاتبة والروائية الدنماركية كريستين تورب التي ترجمتها إلى العربية دنى غالي.
حول كتابها الجديد ومجمل أعمالها وعلاقتها بالشرق وأدبائه كان الحوار التالي مع كريستين تورب.
كيف تنظرين إلى الواقع العربي لا سيما السياسي، من منطلق اهتماماتك؟

أكثر ما يشغلني راهناً هو سورية وحال السوريين، مليونان خارج البلد وستة ملايين هُجّروا من مناطقهم في الداخل. تخطى الوضع المعقول بمأساة الناس هناك. في كل يوم نرى صوراً مفزعة ودماراً مؤلماً.

نظرنا إلى انتفاضة الشعب والتمرد الذي أظهره بأمل، كان أغلبنا إيجابياً تجاهه بهدف إنهاء حكم دكتاتوري ظالم. ولكن بعد سنتين ونصف السنة من المعاناة، ما زال شعب سورية ضحية لحرب القوى الكبرى في العالم للأسف.

كان للربيع العربي أوجهه المختلفة، ففي مصر مرّ الأمر سريعاً بتنحي الرئيس حسني مبارك وعزل الرئيس محمد مرسي، في تونس بدأ بهبة شعب وانطلاقة تعد بالتغيير نحو الأفضل، تماماً كما بدأ في سورية، لكن يبدو أن ذلك يتطلب وقتاً، إلا أن الخوف من النظام الدكتاتوري قضي عليه ولن يعود، وهذا هو المهم، بغض النظر عن القوة التي يستخدمها طرف ضد طرف آخر. إنه وضع تراجيدي ولكن يبقى ثمة ما نتفاءل بشأنه في المستقبل.

أعلم أن بُعد المسافة والجليد ساهما بشكل أو بآخر في عدم وصول الأدب الدنماركي إلى الوطن العربي، ولكن أليس للمثقف في الدنمارك دور في إيصال الأدب اليوم، وقد أصبح العالم قرية صغيرة؟

تتعلّق المسألة بالترجمة، ثم نحن لم نقرأ للكتّاب الكويتيين أيضاً، ولا شك في أن من بينهم من يثير الاهتمام لدى القراء في الدنمارك وفي مناطق أخرى في العالم. الأدب هو اللغة ذاتها، وبغيرها لا يمكن إيصاله، لذا يدور السؤال حقيقة حول الترجمة ومصاعبها، خطط الثقافة، دور النشر، التمويل، النظر إلى الأمر من ناحية اقتصادية.

في ظل الحروب التي يعيشها العالم العربي خصوصاً، كيف يمكن أن ننمي الحس الإنساني في مجتمعات تواجه الدمار يومياً؟

 من الضروري أن نتعرف إلى بعضنا البعض في هذا العالم. كلما تعرفنا إلى ثقافات أكثر وأساليب حياة ومعتقدات، كلما برّزنا الجانب الإنساني في البشر وفهمناه وتقبلناه، وهو أمر ضروري، يمكن فعل ذلك في المدرسة من خلال المناهج التعليمية.

 في مناهج تعليمنا القديمة تعلمنا أننا الأفضل، يجب الابتعاد عن هذا الأمر وهدم الظنون والتهم ضد بعضنا البعض، تشترط الإنسانية تقبل أحدنا للآخر، احترام الآخر في الجزء الآخر من العالم، إنه مفهوم واسع يجب تدريسه وتعلمه، كي لا يدخل الشك والتردد إلى نفوسنا تجاه الآخر، وهو طبع متأصل في الثقافات المختلفة في العالم، الإنسانية بمفهومها الأوسع هي أن نتسع لبعضنا البعض.

كيف يتحقق ذلك؟

من خلال المشاريع التي تهدف إلى ترميم الإنسانية نتيجة الحروب وتأثيراتها المخيفة، وإن كانت خططها طويلة الأمد وتتم على مراحل، مع أن إعادة الإنسانية إلى الإنسان الذي تدمر بسبب القمع والحروب أو الكوارث مهمة صعبة. ثمة مشاريع من حولنا، من بينها مركز إعادة تأهيل المعرضين للتعذيب الذي أنشأته الدنمارك، وهو على أي حال سعي وعمل منظماتي. كذلك نجد من حولنا أناساً أعادوا الثقة إلى آخرين بأفعالهم الإنسانية. نتابع راهناً في التلفزيون والجرائد يوميات طبيبة سورية شابة، حالما تخرجت في كوبنهاغن عادت إلى سورية للقيام بفعل إنساني، وهو مثال على من يحاول تقديم شيء، ويمكن للمتلقي أن يعيد إيمانه بالحياة بهذه الطريقة. لا ننسى أن الإنسان يولد بغريزة التعاطف، هذا ما ثبت وما نعول عليه.

كريستين والعرب

ثمة من يؤمن بنظرية المؤامرة في واقعنا العربي، مؤامرة من الغرب، تحديداً الولايات المتحدة والدول الكبرى ضد الصغرى، وأقصد الدول العربية وغيرها، هل لمست هذا الإحساس وهذا الشعور عند من تلتقيهم من العرب؟

 لا حقيقة، فرغم أنني أفهم فحوى السؤال وما يتم تداوله بين الناس أو في الإعلام، على سبيل المثال بخصوص أن إسرائيل تقف خلف 9/ 11 (هجمات 11 سبتمبر)، فإنني شخصياً لم أقابل أحداً بهذا التفكير في الدنمارك من الشرق الأوسط. أعرف كل نظريات المؤامرة، إنها معروفة، ليس في الشرق الأوسط فحسب، هذا الوضع يجد له مثيلا في الدنمارك مع الشيوعيين القدماء مثلا الذين أعرفهم. لدى الغرب هذا التوجه في التفكير أيضاً، بصدد تفسير ظواهر أو أحداث أخرى في التاريخ.

ماذا تعرف الكاتبة كيرستن توروب عن العرب، ثقافتهم اهتماماتهم، شجونهم، أحاسيسهم ومشاعرهم؟

سافرت إلى فلسطين مرات عدة عام 1987 لكتابة مقالات عن الوضع وإجراء مقابلات مع الناس. في لبنان زرت مخيمات اللاجئين في بيروت وشمال لبنان، كان ذلك برفقة الصديقة السيدة آني كنفاني، زوجة غسان كنفاني، للاطلاع على مشاريعها في المخيمات، كذلك زرت برفقتها سورية والأردن في التسعينيات، وأقمنا عند عائلة زوجها كنفاني في دمشق وحلب (حلب مدينة جميلة لا أستطيع اليوم متابعة أخبارها المؤلمة).

في زيارتي الأخيرة، قبل عامين، زرت الضفة الغربية وجنين والقدس الشرقية في فلسطين. لطالما شغلتني القضية الفلسطينية، أشعر بمعاناة الفلسطينيين وبالوضع الذين يمرون به وأتابعه بتفاصيله. خلال سفراتي التقيت كتاباً وفنانين في الشرق الأوسط، لذا أتابع كل ما يخص هؤلاء الناس وحياتهم.

 من جانب آخر لدي علاقات مع المقيمين من العرب عندنا على مستويات مختلفة، وعلى تواصل معهم، ومنهم من هو على درجة من القرب مني. بطبعي أهتمّ بالشأن السياسي، هكذا كنت دائماً. السياسة تحاكي خيالنا، إنها دراما بامتياز (تضحك).

تأثير الريف

أيهما أكثر تأثيراً: الريف أم المدينة عند المبدع؟ ولماذا؟

الانتقال من الريف إلى المدينة قصة كلاسيكية جاءت بعد الحرب العالمية الثانية. هي إحدى {الثيمات} التي تناولتها في كتبي انطلاقاً من قصتي شخصياً، إذ انتقلت من الريف إلى المدينة لغرض الدراسة، ينتقل أحد أفراد العائلة ويتعلم بينما تبقى العائلة في الريف، هذه قصة معروفة.

أساساً، كان تأثير الريف عليّ كبيراً في كتاباتي، لكني عشت أغلب حياتي في كوبنهاغن، صارت المسألة متساوية في التأثير. عالمياً أو ربما في الغرب، بات التركيز على المدينة، وكأن الظاهرة العصرية إبراز الريف وقد فرغ تماماً من البشر ولا أثر له.

طرأت متغيرات تاريخياً واجتماعياً على الحياة والعلاقات الإنسانية والاقتصاد في عالمنا، ما المفيد منها وما السيئ برأيك؟

التواصل أول ما يتبادر إلى ذهني من الإيجابيات في هذا العصر، النت والموبايل وغيره ساعدوا على ذلك. السلبي بالنسبة إلي، بما يخص التطور، هو اللامساواة بين شعوب العالم اقتصادياً. هذا عنصر سلبي بالنسبة إلى العالم أجمع، وهذا اللاتوازن سلبي لكل من الجانبين، فلا راحة للغني ما دمنا نرى الفقراء يتعذبون، والتأثيرات لا تحصى، مثل الحروب والجهل وغيرها من أمور.

اليوم نحن مسؤولون جميعاً، لا يمكن أن نكون بريئين لأننا نسمع كل شيء وعلى تواصل مع كل شي، ولا يمكننا الادعاء أننا لسنا على علم بما يدور في جوانب أخرى من العالم.

سيرك الميديا

بعد سنوات طويلة من العطاء الأدبي والثقافي والإبداعي ماذا تقول الآن كريستين لو ألقت بناظريها على تلك السيرة الطويلة، وتلك الأيام؟

يختلف دور الأدب في الغرب عما كان عليه في الماضي، أو لنقل أهمية الأدب ومعناه اختلفا اليوم. بدأ التغيير في الثمانينيات في هذه الدول، والدنمارك من ضمنها، عندما صار المجتمع استهلاكياً. مع انطلاقتي الأدبية في الستينيات لم يكن عدد الكتّاب كبيراً، لذا ما أن يقدّم الكاتب باكورة أعماله حتى يدخل هذا العالم ويسجل وجوداً بما يقدمه.

اليوم، ننسى ما كتبه الكاتب ونذكر شخصه. تحويل الكاتب إلى نجم وتظليل كتابه هي الصنعة الجديدة التي دخلت عالم الأدب، وهذه مشكلة، أن يغرق الكتاب في سيرك الميديا. أصاب ذلك أكثر الكتّاب من الشباب، فالتسريع يقوم على أساس الترويج للبضاعة، أي استهلاكها ومن ثم رميها وإيجاد ما هو أجدد منها. حظنا ككتّاب قدماء، كان أوفر لأن التركيز حينها كان على ما نكتب، كتبنا قُرئت ونُقدت وحُللت ودرّست في المدارس واحتلّت مكانها كأدب كلاسيكي معاصر، كان هذا ميزة لنا أننا بدأنا في ذلك الوقت.

back to top