انتقل إلى رحمة الله تعالى أمس الأول الاثنين الأستاذ سليمان عبدالرزاق الصالح المطوع (أبوحسام) وزير التخطيط الأسبق وزوج الإعلامية الفاضلة فاطمة حسين، عن عمر يناهز 80 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً تربوياً وخبرة سياسية ستكون قدوة تحتذى وستبقى خالدة في ذاكرة أجيال الوطن.

Ad

 والفقيد من عائلة تنتمي إلى أسرة المطوع القناعية، التي قدمت مع بقية القناعات إلى الكويت في القرن الثامن عشر، وسكنت الوسط في فريج القناعات، وهم من ذرية عبدالله محمد بن عبدالباقي الملقب بالمطوع.

ولهذه الأسرة مسجد المطوع والذي أسسه عبدالعزيز عبدالله المطوع، كما أسس علي عبدالوهاب المطوع وعبدالعزيز علي المطوع مسجد عبدالوهاب في المرقاب، وكان ليعقوب يوسف المطوع بوم «فتح الرحمن».

رؤية تعليمية

لطالما كانت الكويت أكثر دول الخليج إثارة للجدل رغم صغر حجمها، وقضايا التعليم على أرضها لا تقل إثارة وسخونة عما عداها من القضايا، فنشأة التعليم في الكويت ربما تبدو الأكثر لفتاً للنظر في دول الخليج، لأن إنشاء أول مدرسة تحت مسمى «المباركية» في عام 1912، كان بمبادرة من تجار كويتيين ورجال أعمال.

قال الأستاذ سليمان المطوع رحمه الله: «متطلبات النشاط الاقتصادي في بداية القرن العشرين، دفعت تجاراً كويتيين إلى إنشاء مدرسة تخرج طلاباً لا يهتمون فقط بالعلوم الدينية، كما هو حاصل مع خريجي «الكتاتيب» في ذلك الوقت، لكنهم بحاجة إلى شبان قادرين على القيام بالعمليات الحسابية ولديهم قدرة على التعامل باللغات الأجنبية، وكانت أولى الثورات ضد التعليم التقليدي، وقد لاقت رفضاً من قبل أساطين التعليم القائم في الكتاتيب».

ويضيف: «بذور التطور في التعليم استمرت في النمو حتى عام 1936 الذي شهد استكشاف النفط، ما ساعد على إنشاء مدارس أخرى تعنى بالتعليم النظامي، وتم استقدام معلمين فلسطينيين لهذه المهمة»، وكان دوماً يرى أن التعليم في الكويت حتى مرحلة الثمانينيات كان قادراً على قيادة المجتمع الكويتي الى الانفتاح «كون الكويت مجتمعاً تجارياً اعتاد السفر ورؤية التغيير الحاصل في العالم»، غير أن الحركة التعليمية بدأت بالاهتزاز، أو على الأقل طرأ عليها أمر جديد، وكان الفقيد يرى أن الحل في يد الحكومة التي يجب أن تعي خطورة المشي على الحبل في ما يخص التعليم.

مناصر لحقوق المرأة

ورغم البدايات المشجعة للتعليم في الكويت، وقدرته على إحداث نقلة حقيقية في الوعي الاجتماعي، فإنه وقف عاجزاً أحياناً، أمام تحديات من نوع المشاركة السياسية، وهو ما شخّصه الأستاذ سليمان المطوع أنه «على الرغم من وجود رغبة حقيقية في البدايات لتمكين المرأة من القيام بدور فعال، دفعت الشيخ يوسف بن عيسى في حينه الى السماح لابنة أخيه بالذهاب إلى الخارج لإكمال تعليمها لتشجيع باقي العوائل، إلا أن واقع تعليم الفتيات اليوم لا يسر كثيراً».

وقال: «للأسف أن النظرة القاصرة للمرأة بدأت تغزو القيم المقدمة للطلاب والطالبات، عبر الكتب في بداية الثمانينيات، وهي نقطة خطيرة لم يتم التنبه إليها، وأحياناً تتعدى لتصبح المعلمة صاحبة الموقف، مما بلغ بإحدى المعلمات الجرأة للتصريح، بأنها تعطي للطالبات في الجزء الأول من الحصة ما تريد، ثم تدرسهن ما في الكتب».

ويذكر الفقيد أن المرأة الكويتية قبل فترة بسيطة عاشت نشوة انتصارها بخبر تعيين أول وزيرة امرأة، وهي الدكتورة معصومة مبارك، وبمنح المرأة حق الترشح والتصويت، بعد 42 عاماً نيابياً في الكويت بلا نساء.

أبوحسام... وشنطة العجيري

ادعى الأستاذ سليمان المطوع (أبوحسام) أن هناك ظلماً وغبناً وقعا عليه وعلى عائلته من قيمة الشنطة التي اشتراها الدكتور صالح العجيريـ أطال الله في عمرهـ بثمن زهيد من والد المطوع قبل سبعين عاماً بمبلغ روبية واحدة، أي ما يعادل خمسة وسبعين فلساً، فأقام أبوحسام الدنيا ولم يقعدها مطالباً باسترداد الشنطة، وقد حاول الدكتور العجيري أن يصدّ آل المطوع لكنه لم يستطع، حتى جاءت فكرة بيع الشنطة والتبرع بقيمتها للبنان الشقيق، الذي قامت إسرائيل بتدميره إثر عدوانها على لبنان عام 2006، وعليه تأسست شركة شنطة العجيري المساهمة، وبلغ محصول هذه المساهمة التي تبنتها صحيفة «القبس» في حينه ما يقارب ستمئة وخمسين ألف دولار أميركي، تم تحويلها إلى لبنان الشقيق للتخفيف والمساهمة مع الأشقاء هناك الذين عانوا أشد المعاناة من هذه الحرب الظالمة.

ولولا حماسة وحب الأستاذ سليمان للفكاهة ومطالبته بالشنطة، ولولا أريحية وطيبة الدكتور العجيري لما سمعنا بهذه الشنطة، وكيف تحولت إلى مادة جميلة ورائعة تعبر عن أصالة أهل الكويت وطيبتهم ونخوتهم.

نبذة عن الفقيد

يعدّ الفقيد أول ناظر كويتي لمدرسة ثانوية، وأول كويتي بدرجة مدير في شركة نفط الكويت، وأول من وقع عقداً مع شركة (IMB) عام 1965 لاستخراج الحاسب الآلي كوسيلة تعليمية.

تزوج أبو حسام عام 1960 من السيدة القديرة فاطمة حسين التي رافقته إلى نيويورك أثناء بعثته لدراسة الماجستير في جامعة كولومبيا في التوجيه التربوي.

ولد بفريج القناعات بالكويت عام 1933، وتلقى تعليمه بالمدرسة المباركية، ثم بالمدرسة الأحمدية لفترة قصيرة، وبعد أن أتم دراسته الثانوية، أرسل إلى بريطانيا في بعثة لدراسة اللغة الإنكليزية حتى تخرج عام 1958.

عمل فور عودته من بريطانيا عام 1958 مدرساً للغة الإنكليزية ومشرفا نهاريا بثانوية الشويخ حتى عام 1960.

ابتعث مرة أخرى عام 1960 إلى جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأميركية حيث حصل على درجة الماجستير في التعليم والإدارة والتوجيه، وقد حصل عليها عام 1962، وعمل فور عودته من الولايات المتحدة الأميركية مشرفاً داخلياً بثانوية الشويخ، ثم وكيلاً، فناظراً للمدرسة نفسها، وتلاميذه كثيرون وشغل أغلبهم الآن مناصب قيادية في كثير من قطاعات الدولة.

عمل منذ عام 1965 في غير مهنة التدريس، كالتخطيط الاقتصادي والاجتماعي في الشرق الأوسط «المعهد العربي للتخطيط «حالياً، من عام 1963 إلى 1969، وكان مسؤولاً عن التدريب والتكويت في شركة النفط من عام 1969 حتى عام 1990، وبعد امتلاك الحكومة حصة الشركات الأجنبية، عين عضواً بمجلس إدارة الشركة، ونائباً للعضو المنتدب للإدارة المالية.

شغل إلى جانب ما سبق عدداً من المناصب في المجالين الرسمي وخدمة المجتمع، ومن ذلك أنه كان عضواً بمجلس إدارة جمعية الجنوب والخليج من عام 1963 حتى عام 1990، وهي الجمعية التي تشرف على تعليم أبناء الخليج، ولديها سكن كبير في منطقة حولي. كما تولى رئاسة مجلس إدارة الجمعية الكويتية لمساعدة الطلبة «وهي نفس الجمعية السابقة»، كما أشرف على الكشافة البحرية، ورأس الوفد الكشفي للمؤتمر الرابع عشر في تونس عام 1960، كما تعاون مع المعهد الثقافي البريطاني في نقل بوم المهلب إلى شاطئ ثانوية الشويخ كي يبقى تراثاً محفوظاً.

من أنشطته الرائدة كذلك إدخال المرسم الحر في ثانوية الشويخ، بالتعاون مع الدكتور عبدالله صالح، وترتيبه اجتماعات توجيهية للطلبة الكويتيين الذين تم اختيارهم لمتابعة دراستهم الجامعية في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بعقد ندوات شارك فيها خريجون كويتيون ممن درسوا في أميركا، كما أدخل لأول مرة نظام امتحان «التأهيل الأكاديمي» للطلاب الراغبين في الدراسة في أميركا، كما أدخل نظام المعلومات عن الدراسات الجامعية– وذلك لأول مرة– حيث خصص مكتبة فيها معلومات عن التعليم في أميركا والبلاد العربية، ثم قام بترجمة كتيبات عن الدراسات الجامعية، كانت توزع على مدارس البنين والبنات في الكويت.

وكان الفقيد، رحمه الله، عضواً بمجلس جامعة الكويت منذ عام 1975 إلى 1985، وعضواً بمجلس الخدمة المدنية من عام 1986 إلى 1990، وعضواً بمجلس إدارة الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب منذ عام 1991، كما أسند إليه منصب وزير التخطيط في الحكومة الرابعة عشرة من تاريخ تشكيل الحكومات الكويتية من عام 1990 إلى 1991.

وللراحل ثلاثة أولاد هم حسام والمرحوم بشار والدكتورة ندى.