ليست عظامي كافية

Ad

لأوزعها فوق وحل الوظيفة

والواجب الأسري

لم يبق لي من بهاء الموائد

غير رمانة

هرمت يد قاطفها.

*عوض اللويهي

بينما كنت أتصفح ديوان «المياه تخون البِرَك»، للشاعر العماني عوض اللويهي، اقترب مني أحدهم محدّقا في غلاف المجموعة، ثم اعتدل في جلسته وقال: «ع بالي البرّاك يخون!!»، في إشارة إلى عنوان المجموعة واسم النائب السابق مسلّم البراك، قلت: لا عليك الناس هنا مشغولون بالسياسة أكثر مما ينبغي، أما الشاعر العماني عوض اللويهي فلقصائده طعم آخر، أبعد ما يكون عن «شَرَك» السياسة ومتاهاتها المتعددّة.

عوض اللويهي شاعر يسلم وجدانه إلى نبع صاف، ونهر مترقرق، لذا نجد أن غالبية قصائده، إن لم يكن كلها تحوم حول محور الماء الذي يشكل بؤرة أساسية للدلالة تتفرّع عنها أغصان أخرى، تصب هي الأخرى في المحيط الدلالي ذاته، فمفردات مثل: «النخيل، العصافير، الأغصان، العطش، الطيور، والسدرة...» كلها تحيل إلى المحيط الدلالي ذاته، مع الأخذ بالاعتبار مفردات أخرى تنبثق عن الدلالة الكلية للماء أوهي جزء منها مثل «النهر، والبحر» وهما يأتيان في إطار احتساب الجزء من الكل. يقول: «ماء على ضفة النهر/ ليس كماء على النهر يجري/ يتعبني في الصباح/ غناء الطيور/ ونشيد النخيل/ يعد لقلبي مزامير عمر جديد».

مفردة الماء في المجموعة ليست تأتي في إطار الوصف المجرّد، أو التسطيح الضيق للمعنى، إنما هي ترتبط بمعنى أعمق يفضي إلى الحكمة والتأمل، يمكننا أن نلمح ذلك في قصائد: «تعليل، وأضداد، وقطرة ماء»، وهذا النص الأخير الأكثر استرسالا، وتعمقا في المعنى البعيد، يَثْبت ذلك من خلال الوحدة/ الخاتمة في كل مقطع شعري، يقول: «قطرة ماء تسقط على الفقير/ أَفي الأرض/ كل هذه الفاقة؟... قطرة ماء تسقط على رضيع/ أهناك أمٌّ أحن من السحابة؟... قطرة ماء تسقط على الرصيف/ كيف لهذي الخطى/ أن تعرف قصدها..؟». وأما قصيدة أضداد فهي تأتي في إطار الاستنتاج الكلي للمعنى، أو استخلاص الحكمة من الواقع، ولكن عبر نص شعري لا يخلو من عنصر الدهشة يقول: «ضيقة هي الأرض/ كقطرة ماء/ وفي السحابة متسع لاختصام الرعود/ صغير هو سنّ القلم/ وكم كبيرة هي الفكرة/ دقيق هو ثقب الأبرة وكبير هو الخوف من العري/ متماسكة هي الصخرة/ ولكن نبتة صغيرة قادرة على خرق هذا التماسك».

***

الماء دلالة الحياة، وسنّة كونية للانبعاث واستمرارية الوجود، ولكن هل يأتي في ديوان اللويهي في السياق ذاته؟ سؤال قد يقود إلى دلالة عكسية لفكرة الانبعاث والحياة، إذ إننا نجد دلالة أخرى تتمثل في الغياب، الرحيل، وفداحة الفقد، فنحن هنا أمام دائرة عكسية، واللافت أن هذه الدائرة/ المحور الدلالي، يرتبط بالمرأة في المقام الأول، فالمرأة الأم، وشعورها القاسي بالترمّل، والمرأة الحبيبة، ومرارة المرض، والأقراص المهدئة، والغياب، ولكن المرأة في الواقع هي إحدى دلالات الحياة، واستمرارية الوجود، إذ إنها تمثل الخصوبة، والنهر الدافع للاستمراية. يقول في قصيدة «نشيد إلى الأم في صباحها الأول بعد الترمّل»:

«أيتها الأم/ أليني لنا الريح/ لكي لا تفضي جذور الشجرة/ بعيدا عن الحصى والتراب/ أيتها الأم/ ليكن لك حَباب الماء/ وشهيق الغرقى/ لتكن لك بالونات أعياد الميلاد/ ومعاجين الكريمة الطازجة على ضفاف المائدة»

أما المرأة الحبيبة فهي امرأة معتلّة مسكونة بالهواجس والغربة، وقد يكون الرجل مسكونا بالهواجس في انتظار حبيبته الغائبة، يقول: «أحتمي بك من الفراغ/ من عودة الحمّى/ على مهاد البصيرة/ ومن صلف البهجة على ضفاف المائدة/ لا تخافي/ فلست وحدي في الليل... عنب السهرة/ تذكرة الباص/ أكياس الفستق/ الكتب الجديدة/ تحرس انتظاري لك/ وأنت ترنحين في نوبتك الليلية/ بين الأسرة في المشفى/ بماذا أزيح تعبي/ عن تعبك اليومي؟». والمعنى ذاته ينطبق على قصائد «قميص الفتاة، وامرأة ووردة».