لم تحقق الدول العربية تقدماً يذكر في معالجة قضايا البطالة ودعم المستهلكين ومشاكل أخرى مزمنة تعمل على القضاء على التنافسية وتخنق النمو حتى بين البلدان الأكثر نجاحاً في المنطقة، حسبما نقلت مصادر عن وفود وأبحاث تم تقديمها للمنتدى الاقتصادي العالمي.

Ad

وفي وقت يعمل فيه الانخفاض في إنتاج النفط على كبح توسع دول الخليج النفطية، لا نجد علامات كثيرة تشير إلى وجود تحفيز مالي على نطاق العالم العربي، يقول كثير من الاقتصاديين إنه ضروري للمساعدة على القضاء على المشاكل الاقتصادية التي تعتبر مصدرا للجيشان السياسي في المنطقة.

وتبرز النظرة المتشائمة في المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الأوسط الذي اختتم أعماله في الأردن، أن هناك إحساساً متزايداً بانغلاق المنطقة اقتصادياً، ووجود غليان اجتماعي يمنع الإصلاحات اللازمة حتى في دول تحقق الآن بعض النمو المعتدل.

نمو الدول العربية

ويقول مدير دائرة شمال إفريقيا والشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي مسعود أحمد: «يبلغ النمو الاقتصادي في الدول العربية المستوردة للنفط نحو 3 في المئة، وهو أفضل مقارنة بالعام الماضي. لكن لا تقترب هذا النسبة بأي حال من المستوى اللازم لتوليد الوظائف للشباب في هذه البلدان في العام الحالي، فضلا عن أنها لن تحدث تغييراً يذكر في البطالة».

ويختلف هذا التشاؤم عن الغبطة التي صاحبت المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الأوسط، الذي عقد في البحر الميت في أكتوبر 2011، الذي تزامن مع القبض على الدكتاتور الليبي العقيد معمر القذافي وقتله.

وفي حين أن الإحساس المتبقي بإمكانية حدوث تغير سريع في النمو، وهو إحساس كان واضحاً في ذلك الحين وظهرت علامته في دخول ليببا في اللائحة السنوية للتنافسية التي وضعها المنتدى الاقتصادي العالمي في العام الماضي ـ وضعت ليبيا في المركز 113 من بين 144 دولة ـ إلا أن هناك بيانات أخرى في الجدول المذكور تدل على إخفاقات في الإصلاحات الاقتصادية في المنطقة.

دول شمال إفريقيا

وقد انحدر ترتيب دول شمال إفريقيا الكبيرة بصورة دراماتيكية، إذ تراجع ترتيب مصر 13 درجة إلى المركز 107، وانخفض ترتيب الجزائر 23 درجة إلى المركز 110. وفي حين أن بلدان الخليج تحسنت قليلاً في المتوسط، إذ تقع قطر مباشرة بعد أعلى عشرة بلدان من حيث الأداء، إلا أن الأرقام المفصلة تشير إلى أن الأداء القوي نسبياً لتك البلدان على صعيد الاستقرار الاقتصادي الكلي قابل معدلات أدنى في مجالات التعليم والتدريب والابتكار.

وحتى الملك عبدالله الثاني، ملك الأردن، الدولة المضيفة للمنتدى، وهي الوحيدة في العالم العربي التي تقدم ترتيبها سبع نقاط ليرتفع إلى المرتبة 64، ليس لديه كثير من الأمور التي تدعو للابتهاج، في وقت يواجه فيه الأردن ضغوطا اقتصادية بسبب استضافته لاجئين سوريين أصبح عددهم يشكل 10 في المئة من السكان، وهو رقم مرشح للزيادة.

وقال الملك عبدالله: «علينا أن نحفز النمو الجديد. إن أكبر أزمة اقتصادية في منطقتنا، وهي البطالة بين الشباب، تناشدنا اتخاذ إجراءات مضاعفة تتضمن الإغاثة الفورية والوفاء بالحاجات الملحة واتباع استراتيجيات تشمل الجميع وتحقق النمو العالي الذي يؤدي إلى إنتاج ملايين من الوظائف الجديدة، التي لا بد أن تكون موجودة لدينا، وبسرعة».

الأردن... عجز كبير

وتعتبر مشاكل عمّان صورة مصغرة عن الأمراض الاقتصادية الحالية للعالم العربي. ومع ذلك استطاع الأردن الفقير في الموارد أن يحقق نمواً بلغ أقل قليلاً من 3 في المئة في العام الماضي، بعد أن كان 6 في المئة عام 2010. وواجهت الحكومة عجزاً كبيراً في ميزانيتها، وتعطلت جهودها لتخفيض هذا العجز بأعمال شغب تفجرت في أنحاء البلاد اعتراضا على تقليص الدعم عن الوقود. واستخدم صندوق النقد الدولي المنتدى الاقتصادي العالمي ليوجه رسالة يظهر من خلالها حاجة العالم العربي لتخفيض الدعم عن المحروقات. ويقدر دعم المحروقات في هذه المنطقة بـ40 مليار دولار سنوياً، وهو يساوي نصف الدعم المقدم للطاقة على مستوى العالم، ويشكل نحو 8.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة.

ويجادل صندوق النقد الدولي بأن الدعم أصبح حتى أمراً لا يمكن احتماله أكثر من ذي قبل خاصة بعد أن تبين حدوث تراجع في الصادرات النفطية وبطء في توسع النمو الاقتصادي في العالم العربي. وتشير تقديرات الصندوق إلى أن النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي الست، التي تضم دولاً تعتبر من أكبر منتجي النفط، وهي المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات، سينخفض من 7.5 في المئة في عام 2011 إلى 3.7 في المئة هذه السنة. ويقول مين جهو، نائب المدير الإداري لصندوق النقد الدولي: «حاجة العالم للنفط تضعف، والأسعار تقل، وسيكون لذلك تأثير كبير على نمو الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة».

ومع أن كثيرا من المعلقين يتفقون على أن المفتاح لتحسين اقتصادات البلدان العربية ـ التي ظلت اقتصاداتها تاريخياً معتمدة على نظام مركزي ـ يقوم على تحفيز القطاع الخاص، إلا أن أصحاب المشاريع الشباب محبطون بسبب نقص التمويل. فالبنوك والمؤسسات المالية الأخرى حذرة من عمليات الإقراض، وهي تزداد حذراً في هذه الظروف المضطربة، الأمر الذي ترك أصحاب الأعمال معتمدين عادة على خيال وهبات المستثمرين الأفراد.

بنك تنمية عربي

واقترح جوزيف ستِجليتز، أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا، إنشاء «بنك تنمية عربي»، يسير على خطى بنك التنمية المقترح حديثاً لدول بريكس (البرازيل، روسيا، الصين، الهند). وقال: «يمكن أن يكون شيئاً كهذا مفيداً ومساعداً في تطوير الاستثمار الذي يمكنه أن يعالج المشاكل العالقة منذ فترة طويلة».

لكن يبدو أن الآمال بتحقيق مثل هذه المؤسسات بعيدة مثل الاقتراح الدائم الآخر الذي يقدمه المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو «خطة مارشال عربية»، تساعد على سد الفجوة بين دول النفط الغنية بالفوائض المالية والدول الفقيرة التي هي بأمس الحاجة لمساعدات مالية هائلة من الدول الأجنبية.

ويقول إبراهيم دبدوب، الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني، والرئيس المشارك للمنتدى: «تكلمت كثيراً عن خطة مارشال عربية خلال السنوات العشر الماضية، تكلمت كثيراً حول ذلك، لدرجة أصبحت فيها أصدق نفسي».

* (فايننشال تايمز)