تحليل سياسي: السلطتان في ميزان الأحداث... استقرار حكومي وتحريض نيابي
• أريحية الحكومة من تطورات الأحداث انعكست على أدائها بشكل إيجابي• قرارات معالجة ملف «داو» سلوك حكومي خرج عن المألوف
• النواب أيقنوا أن لعبة «العرض والطلب» لم تعد موجودة على الساحة • فترة الشهر حتى حكم «الدستورية» حولت المشهد إلى سباق مع الزمنرغم التطمينات النيابية، وحتى الحكومية، فإنه لا يمكن القول إن الأزمة السياسية في الكويت انتهت، فالعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لم تصل إلى بر الأمان، في ظل تزاحم الاستجوابات على جدول أعمال المجلس، رغم أنها مجمدة، وفي ظل سيطرة هاجس حكم المحكمة الدستورية على مواقف نواب كثيرين. وتبدو الحكومة، في ظل هذا المشهد الحالي، الأكثر أريحية والأقل قلقاً من تطور الأحداث بأي اتجاه، ما انعكس على أدائها بشكل إيجابي. فموقفها من الاستجوابات الشخصانية، حسبما عبر عنه الوزراء المستقيلون، ظل صلباً ضد استخدام الأدوات الدستورية بهدف الإقصاء، فلم تقدم تنازلات كما جرت العادة، أو تقدم الوزير المستجوب قرباناً للرغبات النيابية.وتمثل قرارات مجلس الوزراء الأخيرة في معالجة غرامة "داو" أحد أوجه السلوك الحكومي الخارج عن مألوف النهج المعتاد سابقاً للسلطة التنفيذية. فاستمرار وزير النفط هاني حسين على رأس عمله وإعطاؤه الضوء الأخضر لإجراء إصلاحات داخل "البيت النفطي"، رغم ما يواجهه من معارك نيابية وإعلامية، رسالة حملت مضامين عديدة، أهمها تضامن الحكومة مع وزيرها وتجديد الثقة به.ولا يقل أهمية عن التضامن الوزاري مع حسين، القرار الحكومي بغربلة هرم القطاع النفطي، الذي استطاع أن يستقل بنفسه، وهذا دليل إضافي على الأريحية الحكومية بشأن التدخلات السياسية والنيابية. فالأسماء التي تبوأت هرم "النفط" ارتبطت بنجاحات سابقة في القطاعين النفطي والاقتصادي، وعرف عنها النزاهة، وهو الأمر الذي يحتاجه القطاع في المرحلة المقبلة، لاسيما بعد حملة التشويه التي تعرض لها داخلياً، واهتزاز سمعته عالمياً عقب حادثة "داو".في المقابل، يشهد معسكر مجلس الأمة انقساماً بين نوابه، فبينما يقلق بعض النواب من حكم "الدستورية"، ويرى في التصعيد عبر الاستجوابات والدفع نحو حل البرلمان طريقاً لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية، هناك من يسعى إلى التهدئة وتجاوز هواجس المحكمة، على أمل أن يكون الحكم في مصلحة استمرار المجلس.وما يعقد الوضع داخل مجلس الأمة وبين نوابه يقين الأعضاء بأن لعبة "العرض والطلب"، التي كانت تتسيد مفهوم العلاقة بين السلطتين في السابق، لم تعد موجودة على الساحة، الأمر الذي أربك الكثير من النواب ممن كانت لهم أجندات وتطلعات خاصة، أو كانوا جسراً لأجندات آخرين، ما انعكس على مواقفهم وتعاطيهم مع كثير من القضايا المحلية وعلاقتهم مع الحكومة. وفي ظل تلك الشواهد، يبقى من المهم كذلك قراءة أداء رئيسي السلطتين في محيط الأحداث، رئيس مجلس الأمة علي الراشد ورئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك. فالرئيس الراشد خلال الأسابيع الماضية تباينت مواقفه بصورة لافتة، فمن رفع سلاح التهديد بقوله إن المجلس "يشمخ"، ومهاجمة الوزراء واتهامهم بالتقصير، ودعم مطالبات التعديل الوزاري، وأخيراً إعلانه انتهاء مهلة الاستجوابات وإعطاؤه الضوء الأخضر للنواب لتفعيل الأدوات الدستورية، إلى سعيه للتهدئة والإشادة بتعاون السلطتين.في المقابل، يلاحظ ثبات مواقف الرئيس المبارك في مواجهة العواصف النيابية والأحداث السياسية، ودعمه الكامل للوزراء في أداء أعمالهم، والمحافظة على كرامتهم، من خلال إعطائهم المساحة الكافية من الاستقلالية في اتخاذ القرار ودعمه، فالمواقف الحكومية لم تشهد حتى الآن أي تراجع أو تقلب، واستمرت في خط مستقيم متناسق مع التوجه الحكومي.هذا المشهد بصورته العامة يخفي تحت رماده أزمات مقبلة، بعضها سيعاد إليه الحياة، وبعضها الآخر قادم جديد على الساحة، لاسيما بعد التغييرات الجذرية في هيكل مؤسسة البترول الكويتية. ففترة الشهر المتبقية تقريباً حتى فصل "الدستورية" في مستقبل المجلس حولت المشهد إلى سباق مع الزمن لتحقيق انتصارات ومكاسب، فهل يستمر النهج الحكومي الجديد في صد الزحف النيابي، أم ينجح النواب في فتح ثغرات في جدار مجلس الوزراء؟