لو أقدر!
![حسن العيسى](https://www.aljarida.com/uploads/authors/25_1682522445.jpg)
ليتني أعلق صور هؤلاء المتهمين على حوائط غرف النوم فوق أسرتهم الدافئة الوثيرة وفي صالونات جلوس المؤلفة قلوبهم من مريدي بعض شيوخ أهل الأريحية النفطية والكرم الطائي، (كرم حاتمي من بيت المال وليس من جيوبهم الخاصة بطبيعة الحال)، لعل فرق المريدين من التبع، يدركون، ولو للحظة واحدة، أن هناك بشراً غيرهم، صودرت حرياتهم ومست كراماتهم أسابيع ممتدة وسنوات طويلة بسبب شبهات قلقة بجرائم الرأي، عل وعسى أن ينبض عرق صغير بوخز الضمير في معاصم لوردات ودوقات نظامنا الحاكم "كامل الأوصاف"، كما يرسمه فنانو البؤس بلوحات المريدين. لو أقدر، أن أنقل لتبع النظام، الذين بينهم وبين الفكر والثقافة الإنسانية مسافات شاسعة، ليس لها من حدود، ولا لعمقها من قرار، أوضاع إخوانهم وأخواتهم البدون... كيف تحيا تلك الجماعات المنفية من الوجود القانوني والإنساني، وتناست السلطة ما قدمه كثير من هؤلاء البدون أو آباؤهم وجدودهم للدولة عبر الخدمة في الجيش أو الشرطة، والأرواح الرخيصة التي بذلوها من أجل هذا الوطن. واليوم تطوى صفحتهم من الذاكرة الكويتية، وكأنهم غير موجودين، ويعلق مصيرهم على "احتمالات" صدقات أصحاب السيادة في مجلسهم، أي مجلس التابعين وحكومتهم المتبوعة ليوم الدين.لو أقدر، أن أقرأ على جماهير الموالين بعضاً من النصوص القانونية التي غاب عنها عمداً التشريعات التي تنظم أوضاع الخدم الخصوصين، وتضع الحدود الدنيا لحقوقهم التائهة في إمبراطورية "مو ناقصنا شي".لو أقدر أن أذكر بارونات الدولة بالقانون الذي يحظر على القضاء النظر في مسائل الجنسية ودور العبادة والإبعاد الإداري، أو القانون الآخر الذي يحظر منح غير المسلم الجنسية الكويتية حين شرع بالتواطؤ بين السلطة التنفيذية وجماعة الفرقة الناجية السياسية في مجلس ٨١، لربما أدرك المريدون أن غياب تلك التشريعات، أو فرض مثل هذا التشريع الأخير، يخرق ويقتل أبسط مبادئ حقوق الإنسان، تلك المبادئ المنسية في ديمقراطية المزاج الواحد ولا تداول للسلطة.لو أقدر لكتبت الكثير عن مصيبة الدولة التي تحيا وتعشق فلسفة من "صادها عشى عياله"، وما أكثر الذين صادوا الملايين وعاش أولادهم وضمنوا البحبوحة لذريتهم من بعدهم وتناسوا وطنهم متغطرسين متعالين على الآخرين المحرومين... لكني لا أقدر، وليس لي غير أن أذكر، أن مصيبتنا ليست في هذه السلطة، وإنما في مستنقع ثقافة الخواء التي تتكاثر فيها فيروسات "مو ناقصنا شي".