تقول السلطات الأميركية إن أعمال الاحتيال ساعدت ليبرتي ريزيرف لأن تصبح ‹›الطريقة الرقمية المهيمنة لغسل الأموال التي يستخدمها المجرمون الإلكترونيون في جميع أنحاء العالم››.

Ad

وكان الأساس المهم في الجريمة المنسوبة لليبرتي ريزيرف هو سرية التعاملات التي جعلت من تتبعها مهمة صعبة، فقد كان كل ما يحتاج إليه أي مستخدم لفتح حساب في الموقع، هو فقط إعطاء اسمه وعنوانه، وبخلاف المصارف العادية الخاضعة للتنظيم الحكومي، لم تطلب ليبرتي ريزيرف قط أي وثائق للتحقق من المعلومات، وحالما يتمكن مستخدم من تسجيل نفسه، فإنه يستطيع تبادل عملات ليبرتي ريزيرف مع مستخدمين آخرين.

في الشهر الماضي، قام عميل فدرالي متخفٍ بفتح حساب لدى ‹›ليبرتي ريزيرف››، وهي بورصة للعملة الافتراضية في كوستاريكا. دخل العميل على الموقع الإلكتروني وسجل اسم جو بوغوس (جو المزيف)، وطبع حسابه تحت اسم ‹›لسرقة كل شيء››، واختار العنوان ‹›123 فيك مين ستريت›› (الشارع الرئيسي للمزوّرين).

ومع بعض النقرات على لوحة المفاتيح استطاع عملاء المخابرات الأميركيون الدخول إلى عالم الصرافة الإلكتروني وفتح الطريق لتحويل الدولارات إلى العملة الافتراضية التي يرمز لها بـ››إل آر››، وهي عملة ليبرتي ريزيرف.

واستطاع العميل إرسال مئات الدولارات الافتراضية من حساب جو بوغوس إلى حساب سري آخر، وعرّف إحدى المعاملات المالية باسم ‹›نصيبك من تصفية الأصول›› ومعاملة أخرى باسم ‹›لأجل الكوكايين››.

هذه التعاملات المالية تكشف السهولة التي يمكن بها نقل الأرباح المتأتية من الأعمال الإجرامية، وقد كانت من بين الخطوات النهائية قبل أن تتمكن السلطات الأميركية من التحرك ضد ليبرتي ريزيرف ومؤسسها، آرثر بودوفسكي. والآن يواجه بودوفسكي وستة آخرون من موظفيه، الحاليين والسابقين، تهماً تتضمن التآمر لارتكاب عمليات غسل أموال وتشغيل شركة غير مرخصة لتحويل الأموال.

وألقي القبض على خمسة من الرجال السبعة، من ضمنهم بودوفسكي، في 24 مايو الماضي في أربعة بلدان مختلفة، واثنان منهم لا يزالان هاربين، وجميعهم معرضون للحكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 20 عاما، إذا ثبتت التهم ضدهم.

فرصة نادرة

وتقدم التهم فرصة نادرة للنظر في الطريقة التي يتبعها عدد من أكثر المجرمين خطراً في إدارة أعمالهم اليوم. وتقول السلطات الأميركية إن ليبرتي ريزيرف أصبحت ‹›المصرف المفضل›› لتجار المخدرات، وقراصنة الكمبيوتر، ومصوِّري الأفلام الإباحية للأطفال، ومنتحلي الشخصية. ويقول ريتشارد ويبر، رئيس التحقيقات الجنائية في مصلحة ضريبة الدخل الأميركية: ‹›هذه هي الطريقة التي سيتبعها آل كابوني في إخفاء أمواله لو أنه كان اليوم على قيد الحياة››. فقد عملت ليبرتي ريزيرف على ‹›جذب زبائن مجرمين وهيأت لهم قاعدة أبقت التعاملات المالية مُغْفلة وغير قابلة للتتبع››.

وجاءت عمليات الاعتقال كذلك في وقت يعبر فيه المنظمون عن مخاوفهم من استخدام أوسع للعملات الافتراضية، مثل العملة الرقمية ‹›بيتكوين›› التي استعملها تجار المخدرات على الإنترنت. وقبل وقت قصير من إغلاق موقع ليبرتي ريزيرف، صادرت وزارة الأمن الوطني الأميركية الحسابات المصرفية لأكبر بورصة لـ››البيتكوين››، لأن مالكها أخفق في تسجيلها بطريقة صحيحة.

وبحسب بعض المسؤولين، عندما شنت السلطات الأميركية غارة على منزل بودوفسكي الكائن في مجمع سكني مسور خارج سان خوزيه، عاصمة كوستاريكا، لم يصادروا فقط ملفات كمبيوتر، بل صادروا كذلك ثلاث سيارات رولز رويس وسيارتي جاغوار ومرسيدس.

والسيارات المركونة على الممر علامة على نطاق العمليات التي تدعيها السلطات الأميركية. وأثناء إعلان التهم يوم الثلاثاء الماضي، وصف المدعي الأميركي في منطقة مانهاتن بريت بارارا، القضية بأنها تنطوي على أكبر تهمة غسل أموال في العالم. وقال إن ‹›مصرف السوق السوداء›› قام بتسيير ما قيمته 55 مليون دولار من التعاملات المالية، وغسل ستة مليارات دولار من الأرباح المتحققة من أعمال إجرامية تمت في السنوات الست الماضية. ويستخدم ليبرتي ريزيرف مليون شخص حول العالم، منهم مائتَيْ ألف مستخدم في الولايات المتحدة.

وليس هذا الاشتباك الأول لبودوفسكي مع القانون، فقد سبق أن اتُّهم هو وفلاديمير كاتس، شريكه في ليبرتي ريزيرف، بواسطة سلطات منطقة نيويورك عام 2006، وكانت التهمة الموجهة إليهما هي أنهما قاما من شقتهما في بروكلين بتشغيل موقع ‹›جولد إيج››، وهو بورصة للذهب الإلكتروني، كانت في ذلك الحين أشهر شركة للعملة الرقمية.

وأقر الرجلان بالذنب في المحكمة واعترفا بأنهما تسلما أموالاً ليقوما بنقلها، واعترفا بتحويلها دون الحصول على ترخيص. وفي يناير 2007 حكم عليهما بالبقاء خمسة أشهر تحت المراقبة. وبودوفسكي مواطن أميركي من أصل أوكراني، انتقل إلى كوستاريكا عام 2006، ودشن موقع ليبرتي ريزيرف مع كاتس، الذي أدار العملية من بروكلين.

ووفقا لمصادر في السلطات المختصة، أنشأ بودوفسكي محلاً في المنطقة التجارية الواقعة مباشرة خارج سان خوزيه، في سفح الجبال في سنترال فالي.

أسماء مستعارة

واستخدم الرجلان أسماء مستعارة، فأطلق بودوفسكي على نفسه اسم إيريك بالتز، أو آرثر بيلانشاك، واستخدم كاتس كنية روغنار، وفقاً لما تقوله السلطات. وبحسب مصادر في صحيفة ‹›تيكو تايمز››، وهي صحيفة كوستا ريكية، وفر بودوفسكي الحماية لنفسه ولمكاتبه بواسطة حراس روس مسلحين.

وكان الأساس المهم في الجريمة المنسوبة لليبرتي ريزيرف هو سرية التعاملات التي جعلت من تتبعها مهمة صعبة. فقد كان كل ما يحتاج إليه أي مستخدم لفتح حساب في الموقع، هو فقط إعطاء اسمه وعنوانه. وبخلاف المصارف العادية الخاضعة للتنظيم الحكومي، لم تطلب ليبرتي ريزيرف قط أي وثائق للتحقق من المعلومات. وحالما يتمكن مستخدم من تسجيل نفسه، فإنه يستطيع تبادل عملات ليبرتي ريزيرف مع مستخدمين آخرين.

وتتقاضى ليبرتي ريزيرف رسماً يبلغ 1 في المئة على كل عملية تحويل. ويستطيع المستخدمون دفع مبلغ إضافي قدره 75 سنتاً عن كل معاملة لقاء ‹›رسوم حفظ الخصوصية›› لإخفاء أرقام حسابات تحويلاتهم، وهو ما يعني في الأساس استحالة تتبع معاملاتهم.

ولتجنب أن تكون هناك آثار من المستندات التي تؤدي إلى التعرف على المستخدمين، اعتمدت ليبرتي ريزيرف على طرف ثالث، يسمى ‹›الصرافين›› للقيام بمعالجة معاملات ‹›إل آر›› بين الزبائن وليبرتي ريزيرف. وتدعي السلطات أن العديد من هؤلاء الصرافين الموافق عليهم مسبقاً، مثل ‹›موني سنترال ماركت›› و››آسيانا جولد››، كانوا مملوكين للمدعى عليهم.

وتدعي السلطات أن هؤلاء الصرافين موجودون في دول لا يوجد فيها إلا القليل من القوانين التنظيمية، مثل ماليزيا وروسيا ونيجيريا، حيث يقوم هؤلاء الصرافون بتحويل دولاراتهم الحقيقية إلى عملة افتراضية، وكانوا يتقاضون نسبة 5 في المئة رسما على الأموال المحولة، كان المتهمون يتقاسمونها في ما بينهم. وعقب ذلك يستطيع الصرافون إعادة تحويل الأموال، بعد أن تم غسلها والتداول بها بعملات ليبرتي ريزيرف.

وتقول السلطات الأميركية إن أعمال الاحتيال ساعدت ليبرتي ريزيرف لأن تصبح ‹›الطريقة الرقمية المهيمنة لغسل الأموال التي يستخدمها المجرمون الإلكترونيون في جميع أنحاء العالم››.

ويقول ممثلو النائب العام إن من بين من يمتلكون حسابات مع ليبرتي ريزيرف قراصنة المواقع الإلكترونية المستعدين لعرض خدمتهم مقابل المال، ومؤسسات المقامرة غير الخاضعة للتنظيم، التي سجلت حسابات تحت اسم ‹›الهاكرز الروس›› و››حساب الهاكر››. وتضمن الزبائن الآخرون لصوص بطاقات الائتمان، وعصابات هاكرز الكمبيوتر في فيتنام ونيجيريا والصين والولايات المتحدة. وتفيد الأوراق الخاصة بهذه القضية المقدمة للمحكمة، أن ليبرتي ريزيرف استخدمت أيضاَ لتوزيع عوائد تبلغ 45 مليون دولار حققتها عصابة سرقت عددا من المصارف، من بينها مصرفان في الشرق الأوسط. وفي 2009 بدأت السلطات بطرح الأسئلة. وأخطر سوجيف، الجهاز التنظيمي المالي في كوستاريكا، شركة ليبرتي ريزيرف بأنها بحاجة إلى الحصول على ترخيص من أجل أعمالها في نقل الأموال. ورفضت سوجيف الموافقة على طلب من الشركة بعد أن خلُصت إلى أن ليبرتي ريزيرف لم تكن تمتلك قواعد ‹›معرفة الزبون››.

وبعد ذلك بستنين – على الرغم من محاولة خداع الجهاز التنظيمي في كوستاريكا – لم تكن الشركة قد حصلت على ترخيص، كما يقول مسؤولون، واشتد الضغط من الجهاز التنظيمي. وفي 2011 تنازل بودوفسكي عن جنسيته الأميركية وقال لمسؤولي الهجرة إن ‹›برامج الكمبيوتر›› التي طورتها شركته ‹›ربما تعرِّضه للمساءلة في الولايات المتحدة››، وفقاً لملفات المحكمة. وكان من الضروري تماماً تبديل جوازات السفر، لأن كوستاريكا لا ترسل مواطنيها ليُحاكَموا في الولايات المتحدة. وبعد ذلك، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، أصدرت الحكومة الأمريكية تحذيراً إلى المصارف بعدم التعامل مع ليبرتي ريزيرف لأنها ‹›تُستخدَم من قبل مجرمين››.

مشترٍ أجنبي

وفي الفترة نفسها تقريبا، كما تدعي السلطات، أخبرت ليبرتي ريزيرف الجهاز التنظيمي في كوستاريكا بأنها بيعت إلى مشترٍ أجنبي. لكن بودوفسكي وآخرين استمروا سراً في إدارة العمل من شركات تغطية.

كذلك افتتح تحقيق من قبل ‹›فريق الأعمال المالية العالمية غير الشرعية››، وهو فريق للمهمات الخاصة بقيادة مصلحة الضرائب الأمريكية ويشتمل على المخابرات ووزارة الأمن الداخلي.

وحصل المحققون وممثلو النائب العام الأميركيون على أوامر بتفتيش أكثر من 30 بريداً إلكترونيا مستقلاً. وركبوا أكبر من 20 جهازاً على الهواتف وحسابات البريد الإلكتروني تتيح لهم رؤية من يتصل بمن، لكن دون الاطلاع على تفاصيل المحادثات.

وإضافة إلى التنقيب في مئات الآلاف من المستندات، أجرت السلطات واحدة من أولى عمليات التفتيش في ‹›السحابة››، وهي عملية تأمر بموجبها شركة تزويد خدمات الإنترنت بالسماح بتفتيش الخزانة الافتراضية الحاوية للمعلومات. كذلك قرأ المسؤولون تبادلات البريد الإلكتروني أثناء حدوثها بين عدد من المدعى عليهم، من خلال الحصول على أمر من المحكمة لمراقبة أحد حسابات البريد الإلكتروني الخاصة بهم.

وتحت الضغط، بدأ بودوفسكي وآخرون بنقل ملايين الدولارات في الأفشور إلى 20 حساباً موجودة في شركات تغطية في قبرص وهونج كونج والمغرب والصين وأستراليا وإسبانيا، كما يقول المسؤولون. وكانت السلطات تقترب أكثر فأكثر. وفي 20 أيار (مايو) استطاع ممثلو النائب العام إعداد ملفات الاتهام من أجل توجيهها إلى الأفراد.

وبعض الرجال وجهت إليهم تهم منفصلة بالكاد تتحدث عن الجريمة المزعومة. وقال أحد المسؤولين إن الهدف من ذلك هو إعطاء الادعاء مرونة للقبض على بعض الرجال حين كانت لهم نافذة للهروب، دون لفت أنظار الأهداف الأخرى. وتم فتح هذه النافذة يوم الجمعة الماضي، من خلال جهد دولي منسَّق اعتقل في ضوئه مسؤولون إسبان، بودوفسكي أثناء نزوله من طائرة في مدريد، في طريقه من المغرب إلى كوستاريكا.

أما كاتس، الذي ترك ليبرتي ريزيرف في 2009 بعد خلاف مع بودوفسكي، فقد اعتقل في بروكلين. وأمر قاضٍ بأن يظل قيد الاعتقال إلى حين محاكمته. وتطالب الولايات المتحدة بأن يتم تسليم بودوفسكي إليها. ولم يقدم أي من الرجلين دفعاً ضد اتهامات الادعاء.ويقول بارارا: ‹›الإنترنت منحة مذهلة، لكن لها كذلك جانب ضعيف قبيح››.

* فايننشيال تايمز