ماركس... بيت بمنازل كثيرة

نشر في 25-03-2013 | 00:02
آخر تحديث 25-03-2013 | 00:02
No Image Caption
130 عاماً على رحيله

في ذكرى وفاة المنظر الشيوعي كارل ماركس قبل 130 عاماً، تعود مؤلفاته في علوم الاقتصاد إلى الظهور وسط قراءات متعددة لها وحالات من الفهم الجديد حول جديتها في ظل الأزمة المالية العالمية التي ما زالت تخيم على الاقتصاد العالمي. وفي كل مرة تأتي ذكرى ماركس تتم العودة إليه في إطار مختلف، إلى درجة أنه بات مثل «بيت بمنازل كثيرة».
كلما احتفلنا بكارل ماركس أو كتبه تخرج أفكار جديدة حوله، سواء من خلال استحضار صورته في فن الـ{بوب آرت» أو أفكاره وعلاقته بالنساء والخادمة، أو إلحاده الملتبس والذي يختصر بعبارة «الدين أفيون الشعوب».

في ذكرى رحيل ماركس، يزور البعض المتاحف التي تضم «خردة» الشيوعية السابقة ليقول هذه هي بقايا ماركس في مدن تضم رموز الرأسمالية كافة، ولم يبق من الشيوعية سوى أشياء متحفية محنطة بين أربعة جدران. البعض الآخر يعود إلى كتب ماركس بمنطق أصولي مادي ويضع فيلسوف الشيوعية في خانة «النبي» و{المنقذ» و{المخلص»، وهو توجه يتجلى في بعض المفكرين العرب واللبنانيين الذين وقف زمنهم ولم يحاولوا تجديد أنفسهم.

يمكن استعراض استعادات ماركس من خلال بعض الكتب والأفكار. بعد سقوط الشيوعية كان أبرز من عاد إلى ماركس الفيلسوف الفرنسي جاد دريدا في كتابه «أطياف ماركس»، فمن المعروف أن دريدا الذي لم ينتمِ إلى الماركسية بل كان نقيضاً لها، وعارضها في الأوساط الثقافية الفرنسية، ولم يخف نفوره وامتعاضه من نظام الكرملن الشيوعي السوفياتي، كان يرفض طغيان التوتاليتارية وما اسفر عنه من كوارث. لكن دريدا «التفكيكي» أدهش العالم بكتابه وبشّر بحتمية التناسل الروحي لأفكار صاحب «رأس المال»، التي كلما لاح أنها انتهت مع «نهاية التاريخ» التي نظر لها فوكاياما، عادت لتظهر على واجهت المكتبات والمجلات الأسبوعية ربما بسبب التوحش الرأسمالي، وقال إن ماركس الذي مات هو ماركس السوفياتي الستاليني، أمّا ماركس المفكر فباقٍ بيننا. وهذا التوجه يؤيده بعض الماركسيين الذين يعتبرون أن الماركسية طريقة في التحليل والنظرة إلى الأمور وليست معتقدا دينياً جامداً ومحنطاً.

ثمة من سخر من أفكار دريدا، لكن وبفعل الأزمات الاقتصادية العالمية، في كل مرة كان يطل مارس كـ{شبح»، وتتصدر كتبه واجهات المكتبات، كلما شهدنا أزمة اقتصادية أو تعثراً في آليات اقتصاد السوق والنظم الرأسمالية ارتفعت أسهم ماركس وأرصدة كتبه. ربما بفعل الأزمة، يتمّ اليوم استحضار فكر ماركس، ويناقش ويُساءل في كثير من الكتب ذات الطموحات المختلفة إنّما المتلاقية في بعض سماتها، خصوصاً ما يتعلق بكتاب {رأس المال}، فثمة نزعة جوهريّة هي الرغبة في مساعدة القارئ على فكّ رمزيّة الكتاب. وهذا ما نجح فيه عالم الجغرافيا البريطاني دايفيد هارفي في كتابه «من أجل قراءة كتاب رأس المال»، وهو ثمرة سنوات من العمل في التعليم، أوردت مطبوعة «لوموند دبلوماتيك» العربية تقريراً عنه.

يقدّم هارفي نموذجاً حقيقيّاً لقراءة تساعد على فهم كيف أن كتاب «رأس المال» يعيد ابتداع المنهج الجدليّ بطريقة تسمح بالتقاط بعض المسارات وتصوّرها: «الحركات، والتغيّرات، والتحوّلات». وهو يقتطف بعض المقاطع ويركّز على أخرى، ويربط طروحات ماركس بالظواهر الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة بوضوح، وذلك لأنّ «الثورة المضادة الليبرالية، الجارية منذ حوالى 30 عاماً قد ساهمت إلى حدٍّ كبير في إعادة تشكيل ظروفٍ كان ماركس قد عرف كيف يفكّكها بقوّة في بريطانيا العظمى في خمسينيات وستينياته القرن التاسع عشر».

نداء إلى الشعب

ولا تقتصر العودة إلى ماركس على المفكرين، فرئيس أساقفة ميونخ الألماني راينهارد ماركس لا تجمعه مع ماركس الجد القرابة العائلية فحسب وإنما الشبه في ملامح الوجه والأفكار أيضاً... فاجأ الوسط الثقافي الألماني بكتابه الجديد: «رأس المال، نداء إلى الشعب». ويأتي العنوان في استعارة لاسم مؤلف ماركس الشهير «رأس المال». تناولت وسائل الإعلام هذا الأمر باهتمام لافت، وفي مقابلة صحفية دعا القس إلى العودة إلى الاقتصاد الاجتماعي للسوق، معترفاً بأن الاشتراكية الكاثوليكية استفادت من أفكار ماركس، وذلك بقوله: «نقف اليوم على كتفي كارل ماركس»، ويجب أن نطلب المعذرة من ناقد الرأسمالية الأبرز، والمحلل لأزماتها، إذ تنبأ بجوهر العولمة، على أنها عولمة لرأس المال}. وقال إننا استعجلنا في تنحيته عن مشاركتنا في فهم واقعنا الاقتصادي والاجتماعي ورمينا أفكاره وتحليلاته الاقتصادية في سلة المهملات. وأضاف بأن الرأسمالية الخالية من الأطر الأخلاقية والقانونية هي نظام معادٍ للإنسانية.

يقول القس راينهارد ماركس إن الداعي إلى هذا الكتاب الآن لم يتشابه في اسم العائلة مع ماركس القديم وحسب، إنما ينطلق في سياق مشروع فكري بدأه منذ سنوات مع أطروحة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، غداة انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1989، عندما دعا الأخير إلى التفكر في مبادئ الرأسمالية التي أعلن كثيرون حينها عن انتصارها الأبدي وعن نهاية التاريخ. وقد حذر حينها من أن فشل الأنظمة الرأسمالية المعاصرة في حل الأزمات التي يعيشها العالم كالفقر وعدم المساواة والبطالة وغيرها، سيكون من شأنه انبعاث جديد لأفكار ماركس القديمة.

واذا كانت أفكار ماركس حول الإلحاد هي الأبرز في التمهيد لفشل الشيوعية بسبب حاجة الشعوب والمجتمعات الإيمانية، ففي السنوات الأخيرة لوحظ أن ثمة دراسات جديدة تبين أن ماركس لم يكن ملحداً، ولا يمكن اقتصار أفكاره بعبارة «الدين أفيون الشعوب»، وترجم الباحث والمعلق السوري ياسين الحاج صالح دراسة لأندي بلوندن، الماركسي الأسترالي، «ماركس لم يكن ملحداً، لماذا؟»، وجاء في مقدمتها: «قد يبدو عنوان كلامي مفاجئا لبعضكم، غير أنها لحقيقة مجردة أن ماركس رفض أن يصنف كملحد منذ أن كان في الثالثة والعشرين على الأقل، وأنه لم يصف نفسه بالملحد قط. وليس موقفه المجمل من الدين مطابقاً لما يفترض في شأنه عموماً، كما أن موقفه من المادية الفلسفية ليس موافقاً لتأويله الشائع»، ويبين في الدراسة وجهة نظره في هذا المجال.

back to top