هل يتعين على التقدميين الذين عارضوا مجلس الصوت الواحد الاصطفاف مع اقتراح بعض النواب بإلغاء قانون رقم ٢٤ لسنة ٩٦ المحرِّم للاختلاط بين الطلاب والطالبات في التعليم العالي، لأن مثل هذا القانون كان تعدياً صارخاً على حرية الأفراد في اختيار نوع التعليم والحياة الاجتماعية بالجامعات، وأن ذلك القانون، صورة أخرى، وشاهد جديد على مشروع الدولة الدينية الثيوقراطية المضادة للحريات العامة والخاصة، والتي ستقذف بالفكر الإنساني والحداثة ألف عام للخلف، وغير ذلك من أسباب، مثل التكلفة الاقتصادية لذلك القانون وعجز الجامعة (والجامعات) عن تنفيذ القانون لبعض التخصصات والشعب الدراسية...؟

Ad

الزميل عبداللطيف الدعيج في "القبس" أمس يقدم الإجابة السريعة والحاسمة، بأن اقتراح النواب مقدمي المشروع، مسألة لا تحتمل التردد ويجب تأييدها، فهي قضية "وطنية بالدرجة الأولى"، أي قضية عليا لا يجوز الاختلاف عليها، وأنها يجب ألا "تخضع للحسابات الفئوية أو أن تكون عرضة للمزايدات..."، ويشعر الزميل بخيبة أمل لأن التقدميين (حسب مفهوم الزميل) آثروا مصالحهم وحسبوا "أرباح الغير قبل أن يراعوا المصلحة العامة..."، فكان صمتهم أو "تخاذلهم"، إن صح التعبير، في تأييد طرح الاقتراح.

بودي أن أصفق بحرارة لرأي عبداللطيف، وأن أوبخ التقدميين الصامتين المتخاذلين عن دعم مشروع إلغاء القانون، وأقول ليس قضيتنا "من" هم الأشخاص الذين تقدموا بالقانون في مجلس الصوت الواحد، وإنما "موضوعه" وأهدافه السامية التي لا يجوز الاختلاف عليها... ليتني أقدر أن أفعل الأمرين، لكن هذا غير ممكن.

فالنواب الذين وقفوا مع "حريات" الأفراد في التعليم المختلط، وهذه تعد من الحريات الفردية وحرية اختيار البشر لمصيرهم، وقف بعضهم بالأمس لتمديد عقوبة الحبس الاحترازي الذي قصر زمنه من قبل نواب المجلس المبطل... وأن بعض هؤلاء النواب من مقدمي المشروع رفعوا رايات الولاء للسلطة والعبودية لها بالتشديد بعقوبات الرأي بجرائم المساس بأمن الدولة أو الذات الأميرية، وما يحمل ذلك الاتجاه بالتوسع في تفسيرات الإدانة لأي عبارة أو جملة "تويتر" قفزت من يد مغرد...

مشروع قانون إلغاء منع الاختلاط يطرح اليوم، وعشرات النواب في المجلس المبطل يقفون أمام محاكم الجنايات في سيل من دعاوى محاولات تدجين الرأي المخالف وترويعه عبر تحريك القضايا الجزائية ضد من قالوا "لا" لمرسوم الصوت الواحد وللسلطة التي فرضته منفردة، وهناك نواب آخرون، مثل فيصل المسلم الذي تقف على رأسه عدة قضايا، ويتهدده السجن بأي لحظة، قالوا "لا" في قضايا الإيداعات المليونية لنواب الحكم التابعين... مشروع إلغاء قانون منع الاختلاط يطرح اليوم وعشرات من المغردين والناشطين السياسيين إما في السجون أو ينتظرون دورهم لاستكمال التحقيقات كمرحلة أولى، واستهلال جديد لدورات تنشيطية في السجن المركزي... أليست هذه وتلك من مسائل الحريات...؟! أليست هذه وتلك من قضايا الرأي وممارسة حق التعبير ونقد السلطات الحاكمة... مثلها مثل حرية الاختلاط، بل هي أسمى وأجل لأنها تمس وجود الفرد وكيانه!

هل نعد مخطئين، إن فسرنا الاقتراح لإلغاء قانون منع الاختلاط بأنه "حصان طروادة" لكسر مواقف المعارضين التقدميين، كما كان تصديق السلطة وعدم ردها لقانون منع التعليم المختلط بالجامعة عام ٩٦ بعهد وزير التربية التقدمي الراحل د. أحمد الربعي مسألة (وجود الراحل الربعي في الوزارة) يمكن اعتبارها هي الأخرى حصان طروادة...!! هي السلطة الحاكمة الواحدة مرة تحشر نفسها بجوف حصان خشبي مثلما كان يتم في التسعينيات، ومرات أخرى تدخل بالسيارات المصفحة للقوات الخاصة، أو عبر مشاريع قوانين كالذي يقدم اليوم... لكنها في كلتا الحالتين لم تملك في صفوفها فرساناً مثل "أخيل".