في عالم السياسة– كما في الحروب- تتم تحالفات أحيانا بين أصحاب العقائد المختلفة والأفكار المتباينة من أجل هدف ما في فترة ما، ثم ينتهي التحالف ويسير كل فريق في طريقه الخاص. وهذه التحالفات يطلق عليها البعض "اتفاق المصالح"، ومن أحدث هذه التحالفات "التحالف الانقلابي" الذي تم في 3 يوليو، فلو نظرت إلى قائد الانقلاب، وهو يلقي بيانه وخلفه مجموعة متباينة من الأفراد، لتعجبت كيف يجلس مؤمن العلمانية بجوار شيخ السلفيين، وكيف لشاب من ثوار يناير أن يجاور رمزاً من فلول مبارك، فضلاً عن ممثلي الوحدة الوطنية– كما يقال- شيخ الأزهر وبابا الكنيسة، وبعيداً عن الخطاب الإعلامي (كلهم مصريون ووطنيون) فقد اتفقت مصالح الجميع على ضرورة التخلص من الإخوان، والإطاحة بهم بأي صورة، فكان التخطيط والتدبير لهذا الانقلاب.

Ad

يعيش هذا التحالف في حال من اللاوعي أو الوهم الذي يسيطر على أعضائه، ويصوّر لهم عدداً من الأمور لا علاقة لها بالواقع أو الحقائق على الأرض، ومن هذه الأوهام:

أولا: وهم الـ35 مليوناً

 في البداية أطلق الانقلابيون كذبة وأخذوا يرددونها ويكررونها إلى أن صدقوها وعاشوا داخلها، وهي أن أعداد المتظاهرين في 30 يونيو فاقت الـ35 مليوناً، ورغم أن الحقيقة تتكشف ساعة بعد أخرى بأن المتظاهرين لم يبلغوا 10% من هذا العدد إلا أن الانقلابيين ما زالوا أسرى أعداد خالد يوسف والتصوير الجوي وغوغل إيرث (رغم تكذيبها لهم).

ثانيا: الرافضون للانقلاب هم الإخوان فقط

 بالرغم من وجود الكثيرين ممن يرفضونه لأسباب ديمقراطية وسياسية، ولا ينتمون إلى الإخوان ولا علاقة لهم بهم، وأعدادهم تتزايد يوما بعد يوم، خاصة بعد أن أسفر الانقلاب عن وجهه القبيح –كالمعتاد- بالقمع والدكتاتورية، إلا أن الانقلابيين يصرون على أن الإخوان فقط هم من يرفضونه!!

ثالثاً: لن تعود عقارب الساعة للوراء

 عبارة شهيرة لا يمل الانقلابيون من ترديدها، آملين أن يدب اليأس في قلوب رافضي الانقلاب، ولو عدنا بالذاكرة لوجدنا أن هذه العبارة هي حصن كل فاسد ومنطق كل غاشم استولى على السلطة، بل إن الانقلابيين أنفسهم لو كانوا يؤمنون بها لما قاموا بالانقلاب، فقد أعادوا عقارب الساعة بإعادتهم لنظام مبارك بعد عامين من خلعه، فإن كان من الممكن أن يعود نظام بعد عامين على خلعه أيكون غريباً أن يعود رئيس بعد شهرين من عزله؟!

رابعاً: عامل الوقت في مصلحة الانقلاب

 يعيش الانقلابيون في وهم أن عامل الوقت في مصلحتهم، وأن الرافضين إن عاجلا أو آجلا سيسلمون بالأمر الواقع، وهي عبارة تبدو صحيحة، فمن الصعب أن يتخيل إنسان كل هذه المشقة والنوم في الطرقات تحت لهيب الحر وظمأ الصيام، ولكن الحقيقة أن الانقلابيين لا يدركون معنى أن يكون لك مبدأ حقيقي تدافع عنه، وقضية تؤمن بها، ويرخص أمامها كل شيء.

خامسا: الضغط الدولي على الإخوان

 يتوهم الانقلابيون أن طلبهم من الدول الأجنبية الضغط على الإخوان سيؤتي ثماره ويجعل الكفة تميل لمصلحتهم، وللمرة الثانية يتناسى الانقلابيون أن رافضي الانقلاب ليسوا إخواناً فقط، كما أن التنظيم الدولي للإخوان وعلاقاتهم على مدى تاريخهم كفيل بإحباط كل هذه المحاولات.

هذا قليل من كثير– لضيق المساحة- من الأوهام التي يعيشها الانقلابيون، أما وهمهم الأكبر فهو اعتقادهم أن فض الاعتصامات يعني نهاية القضية واستقرار الأحوال، ولكن الحقيقة أن فض الاعتصامات– سياسياً أو بالقوة- ما هو إلا نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى  لرفض الانقلاب.

***

"كل عام وأنتم بخير" بمناسبة عيد الفطر المبارك، أستأذن القارئ الكريم في إجازة طويلة نسبياً أقضيها في مصرنا الحبيبة.