قانونيون ودستوريون: «الإعلام الموحد» مخالف للدستور
«بدعة تشريعية منبوذة بنصوص فضفاضة تضيق الحريات»
في وقت اعتمد مجلس الوزراء مشروع قانون الاعلام الموحد، الذي يتضمن حزمة من العقوبات المغلظة على وسائل الاعلام المقروءة والمرئية والانترنت، اكد عدد من القانونيين مخالفة المشروع لنصوص الدستور، لأنه يمنع ممارسة الحريات الاعلامية، الا من خلال التراخيص فضلا عن فرضه رقابة مسبقة.
في وقت اعتمد مجلس الوزراء مشروع قانون الاعلام الموحد، الذي يتضمن حزمة من العقوبات المغلظة على وسائل الاعلام المقروءة والمرئية والانترنت، اكد عدد من القانونيين مخالفة المشروع لنصوص الدستور، لأنه يمنع ممارسة الحريات الاعلامية، الا من خلال التراخيص فضلا عن فرضه رقابة مسبقة.
يقول الخبير الدستوري، استاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد الفيلي إن «مشروع قانون الاعلام الموحد يتضمن شبهة دستورية بالمخالفة للمادتين ٣٦ و٣٧ من الدستور، اللتين تكفلان حريات الرأي والتعبير والصحافة، بينما يلزم مشروع القانون لممارسة أي من حريات التعبير عن الرأي الحصول على ترخيص مسبق من السلطة التنفيذية، وبالتالي فمشروع القانون الموحد منع ممارسة تلك الحريات التي كفلها الدستور إلى حين إجازتها من السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة الاعلام». ويضيف الفيلي، في حديثه لـ«الجريدة»، ان مشروع القانون الحالي يريد ان يضع نظام الترخيص المسبق لوسائل لا يمكن للدولة ان تتحكم فيها، مبيناً أن عليها أن تبحث عن اساليب جديدة تواكب حقيقة وسائل النشر لأن الأسلوب القديم الذي كان مرتبطاً بسلطان الدولة على وسائل النشر في اقليمها واقعيا لم يعد قائما، لأن وسائل النشر الاكثر تأثيرا لم يعد وجودها مرتبطاً باقليم الدولة.
تسبيب الرفض ويوضح الفيلي أنه من الملاحظ على مشروع القانون انه لايزال يأخذ بالنظرة التي بدأت تهجرها الدول باعتبار ان عدم رد وزارة الاعلام على طالب الترخيص يعد رفضا، في حين انه ينبغي على وزارة الاعلام ان تعلن رفضها، وان تعمل على تسبيبه، وهو ما اكدته احكام القضاء الاداري، مبيناً أن اشتراط تسبيب القرارات الادارية بالرفض احد اسباب الشفافية في مواجهة المخاطب بها. وقال ان مشروع هذا القانون اخذ بفكرة لم تكن موجودة في ظل تنظيم المشرع الكويتي للحريات الاعلامية والصحافية في الكويت، وذلك بان جعل الترخيص الممنوح للصحف والفضائيات مؤقتاً لسنتين أو خمس سنوات او عشر، وبانتهائه يجب تقديم طلب اخر لاعادة الترخيص، وهو ما سيجعل المؤسسة الاعلامية، صحافية او غيرها، تعيش هاجس عدم التجديد للترخيص فضلاً عن ترقبها الى لحظة وصول موعد تجديد الترخيص، بينما الاصل في الترخيص ان يكون غير محدد المدة. ويلاحظ الفيلي أن المادة ٢٧ من مشروع قانون الإعلام الموحد وضعت رقابة مسبقة على النشر، عبر منع نشر اي محتوى او مضمون لمواد ممنوع نشرها دون تحديد سبب المنع، مضيفاً أن مشروع القانون في المادة ٩٠ جعل لها حكمين، الأول اعطى للوزارة أحقية وقف او حجب اي محتوى او برنامج او مادة اعلامية، دون أن يقرر من يختص بتقرير المخالفة هل هي الادارة ام القضاء، ويفتح هذا النص الباب للتجاوز على مبدأ الفصل بين السلطات وإصدار الأحكام القضائية بطريقة غير مباشرة.وتابع بأن الفقرة الثانية من ذات المادة مستوحاة من الاجراءات الاحترازية التي اصلا تستخدم على الشخص الطبيعي لتقوم بتطبيق تلك الاجراءات الاحترازية على الشخص الاعتباري، موضحاً أن مثل تلك الاجراءات الاحترازية عندما تطبق على الشخص الاعتباري تصبح بمنزلة عقوبة قبل اصدار الحكم القضائي، فمثلا فان تعطيل او وقف المنشأة مؤقتا ولاسبوعين ثم التجديد لها من قبل قاضي الجنايات او القاضي المستعجل الى حين صدور الحكم بحق الصحيفة يعد عقوبة رغم ان القصد هو الاجراء الاحترازي.ويضيف الفيلي ان المشرع في القانون السابق ومشروع القانون الجديد مازال يصر على تقييد القاضي في تقرير العقوبات على الصحافيين أو الاعلاميين، وذلك بأن يقرر الحد الادنى للغرامات، وهو ما يجعل القاضي بين امرين: إما غرامة بالحد الأدنى أو براءة دون استعمال تقديرات اخرى بشأن تقرير العقوبة، كما أن المشروع مازال مصرا على تطبيق النصوص الواردة في قانون الجزاء إن كانت هي الأشد على الفعل المنسوب للصحافي وهي عقوبات تمتد الى السجن لـ١٠ سنوات.ويختم الفيلي حديثه قائلا: «ان مشروع القانون الحالي للإعلام هو نتاج ثقافة مع الأسف مضرة بالحريات بأن تسمح للحكومة بخلق جو من القلق والتوجس بما سيعمل على غلق قنوات التعبير وحرية الرأي، رغم ان لحرية التعبير وظيفة تسمح للافراد بإظهار المخاوف والقلق الذي يدور بخاطرهم حتى تقوم الحكومات بمعالجة تلك المخاوف، واغلاق تلك القنوات التعبيرية سيحدث تفاقما في النفوس، وهو ما وضحته المذكرة التفسيرية في الدستور لدى اشارتها الى حرية الرأي والتعبير عنها ومدى أهميتها.خروج عن المنهجية بدوره يقول استاذ القانون الخاص في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فايز الكندري إن فكرة مشروع قانون الاعلام الموحد المقدم من الحكومة الى مجلس الأمة قائمة على تجميع كل التشريعات النافذة المرتبطة باختصاص وزارة الاعلام مع تعديلها والاضافة إليها وتوحيدها تحت مظلة قانون واحد، وفي ذلك، خروج عن المنهجية التشريعية السليمة والحصيفة، ويمثل خروجا عن السياسة التشريعة للدولة؛ فالمطبوعات والنشر، والصحافة، والمرئي والمسموع، والنشر الإلكتروني ومواقع التواصل باختلافها، المسرح والسينما، الجرائم الانتخابية، كل منها له خصوصيته وطبيعته وفلسفته التي تفرض له بذاتها اوضاعا تشريعية محددة لا يمكن مدها على غيرها تحت مغبة اللغط بتطبيق النصوص التشريعية والغموض بل واستحالة تطبيق عدد منها.ويضيف الكندري ان الحديث عن توحيد تشريعات وزارة الاعلام بقانون واحد يشوبه قصور، حيث اغفل العديد منها اهمها قانون الملكية الفكرية، لافتا إلى ان نهج الاعلام لسياسة التشريع الموحد» بدعة تشريعية منبوذة»، فهل يعني ذلك توحيد جميع تشريعات وزارة التجارة باختلافاتها بقانون واحد، من شركات، تجارة، اسواق المال، استقرارا اقتصاديا؟نصوص مقيدةويضيف الكندري ان مشروع القانون يضع نصوصا مقيدة ليس فقط للمواقع الاعلامية، بل للمواقع التجارية والاجتماعية وهو ما يخرج عن اختصاص وزارة الاعلام.ويبين ان نصوص مشروع القانون فضفاضة جدا على خلاف ما يجب أن تكون عليه محددة لا لبس فيها ولا غموض بحسب انها نصوص ترد على حقوق دستورية اصيلة بالتعبير عن الرأي والنقد والصحافة، وهو ما يعني أحد أمرين أو كليهما؛ الرغبة في التضييق على الحريات وتقييدها أو عدم المام واضعها بالمسائل الفنية والتقنية وطبيعتها الخاصة.ويقول ان نصوص المشروع تقدم الحظر ووجوب الحصول على تراخيص وتتوسع بذلك مع تقرير عقوبات مبالغ فيها وغليظة جدا، بخلاف الاصل العام بوجوب حسرها والتضييق منها، وهو ما يصم مشروع القانون بالمقيد للحريات.ويقول الكندري ان عددا من عقوبات مشروع القانون مبالغ فيها وجسيمة جدا لا تتناسب والفعل المؤثم مما يشوبها بشبهة عدم الدستورية، فضلا عن تقرير عقوبات بلا سند من الدستور، موضحا ان مشروع القانون فرض رقابة سابقة للوزارة على مواقع التواصل، بما يخالف المعمول بها حاليا بتقرير رقابة لاحقة وللقضاء فقط. وهو ما يمثل خرقا لحرية الرأي والتعبير وبالمخالفة للدستور.أما نائب رئيس نقابة المحامين الكويتية وسمي خالد الوسمي فيقول إن مشروع قانون الاعلام الموحد يعد، في ما لو تم اقراره، ردة دستورية للحقوق التي كفلها الدستور لحريات الرأي والفكر والتعبير والصحافة لما يتضمنه من عقوبات مشددة لا يمكن الا ان تطبق على أصحاب الرأي.ويضيف الوسمي إن رفع الغرامات على المخاطبين بهذا القانون لن ينفع إلا الخزينة العامة لكون الغرامات المحكوم بها ستذهب الى الدولة وليس الى المتضرر، وبالتالي فإن الواجب حماية المضرور ذاته عن طريق التعويض المدني الجابر للضرر ان وجد.ويبين ان الدستور اكد في المادتين ٣٦ و٣٧ منه ان حريات الرأي والتعبير والصحافة يأتي القانون لينظمها لا ان يحرم الأفراد من ممارستها، ولذلك فالأصل العام هو كفالة الافراد بممارستها لا منعهم بحسب ما ينص مشروع القانون.ويضيف ان مشروع القانون يتضمن رقابة مسبقة على وسائل الاعلام بما يسمح لوزارة الاعلام بحجب اي محتوى او مواد اعلامية قبل نشرها او بثها، وهو ما يعد افتئاتا على سلطة القضاء في الرقابة على ما ينشر أو يبث وقد يعتبرها في ما لو عرضت عليها أنها من قبيل حرية الرأي والتعبير والفكر التي كفلها الدستور.وختم الوسمي حديثه قائلا إن التعامل مع الحريات الاعلامية يكون من منظور اعلامي بحت يتلاءم وطبيعة تلك الحريات التي غالبا ما يكون الهدف منها هو الصالح العام والتشدد نحو العقوبة سيضر عجلة الإصلاح المنشود.