حتى فترة قريبة كان مصطلح تكميم تتبعه عادة كلمة أفواه، أما الآن فقد صار يستخدم للتعريف بعملية لتخفيف الوزن. ويقال إن لدينا في الكويت أعلى المعدلات من عمليات التكميم، ولم لا، طالما أن لدينا أعلى معدلات السمنة عالمياً. ويبدو أنه في هذا السياق ظهرت علينا الحكومة بمشروع قانون  كسر الأقلام، أو ربما تربيط الأصابع، حيث إن الأقلام قد اختفت، وحل محلها  مجرد أصابع تتمايل على أزرار لوحة حروف، وصرنا  بدلاً من القول "لا يردك إلا لسانك" نقول "لا تردك إلا أصابعك"، وبالتالي تصبح أجهزة السلطة وقانونها الشائن مجرد أدوات لتربيط الأصابع وربما لكسرها وخلع أظافرها. تلك هي سنة الحياة كما يبدو لحكومة ٢٠١٣ بمنطق ١٩٨٦ حين تم فرض الرقابة المسبقة على الصحافة، بحجة حماية الوطن وأمنه، فجاءت النتائج وبالاً على البلاد والعباد.

Ad

القانون التجميعي لا جديد كثيراً فيه إلا التشدد، وأسوأ التشريعات المتشددة تلك التي تأتي في مرحلة احتقان سياسي، مما لا يجعل النقاش حوله مفيداً، بل يتحول الجدل بين معارض وموال، وهي ثنائية سطحية، لا تسمن ولا تغني من جوع.

نعم، نحن بحاجة لتنظيم الإعلام، والحد من هذا الجموح المدمر، وتحسينه لكي يصبح إعلاماً مهنياً للناس ولا يتحول إلى إعدام للمجتمع وتفتيته، ولكن ماذا عن السلطة وأعوانها التي كانت شريكة وفاعلة في التخريب الإعلامي؟

منهج القمع، ومنع الآخر من التعبير بحرية، هو نهج سائد لدى النخبة السياسية، وينطبق هذا الأمر على العديد ممن يصنفون أنفسهم كمعارضين أو حكومة ومن والاها. وإلا فكيف نفسر اندفاع ما يسمى بالأغلبية في إصدار قانون إعدام للمسيء كردة فعل على تغريدة مسيئة، وكان أن وافقتهم الحكومة وتواطأت معهم، ولولا أن رد سمو الأمير القانون، لكان العلم عند الله عن عدد المتهمين الذين قد يتم إعدامهم لاشتباه أو كيدية أو تفسير، والجو مليء بمن قد يدعي كذباً أن فلاناً قد أساء، لمجرد أنه خصم فكري أو مذهبي.

الإعلاميون ليسوا ملائكة، بل لدى بعضهم من الموبقات مالا يعد ولا يحصى، ولكن القانون الجديد المقترح يمثل وصفة شائهة تذهب أبعد بكثير من مجرد تنظيم إلى هيمنة وسيطرة، تعيدنا إلى حقبة ما قبل الغزو وذكرياتها الأليمة.

على الحكومة أن تكون أكثر جدية في إدارتها للدولة، بدلاً من هذا العبث وإعادة إنتاج الفشل، فإن كنا قد سلمنا الأمر بأن ما يسمى خطة تنمية قد ذهبت مع الريح، فإن ما تبقى لنا هو شيء من حرية، أو نصف حرية أو ربما أقل، فإن أنهيتموها، وبالذات بتطبيقكم الانتقائي، تكونوا قد وأدتم بصيص أمل في الإصلاح.