الإسلاميون وإسرائيل

نشر في 17-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 17-02-2013 | 00:01
 ياسر عبد العزيز في عام 2010، كان القيادي في جماعة "الإخوان المسلمين" الدكتور محمد مرسي، يخطب في مؤتمر جماهيري بإحدى المحافظات المصرية، حينما وصف اليهود بأنهم "مصاصو دماء"، و"أحفاد القردة والخنازير"، بل طالب أيضاً المستمعين بأن "يرضعوا أبناءهم وأحفادهم كراهية اليهود"، مؤكداً بوضوح ضرورة أن "تستمر الكراهية" بين المسلمين واليهود.

عبارة "يجب أن تستمر الكراهية"، التي قالها مرسي في ذلك المؤتمر، تعد عبارة نموذجية من المنظور الغربي، لأنها تكفي، وتزيد، لوصم قائلها بـ"العنصرية"، و"السامية"، و"إشاعة الحقد والكراهية"، و"ممارسة التمييز الديني"، و"ازدراء الأديان وأتباعها"، وأخيراً يمكن أن تقود إلى الاتهام بـ"تشجيع الإرهاب".

إنها عبارة نموذجية حقاً؛ إذ يمكن من خلالها إدانة شخص من المنظور الغربي من دون أن تكون لديه أي فرصة للدفاع عن نفسه أو المراوغة والتلاعب... فلقد حض الرجل على "إدامة الكراهية" بوضوح، ووصف أتباع دين معين بأنهم "ليسوا من البشر، إنما من أحفاد القردة والخنازير".

لكن لسبب ما، فقد دافع بعض أكثر المتعصبين لإسرائيل ولليهود واليهودية والصهيونية عن مرسي، وحاولوا تخفيف وقع الأمر، وتذرعوا بأنه "عاد عن تلك التصريحات" و"أعاد توضيحها"، وشددوا على حرصهم على "التعاون معه" من أجل "تحقيق أمن إسرائيل". إنها بداية دراماتيكية لحكم "الإخوان المسلمين" في مصر في ما يخص علاقتهم بإسرائيل ومواقفهم المعلنة منها... إنها بداية يمكن استخلاص الكثير من العبر منها. لقد تنصل مرسي من تصريحاته تلك بالطبع، لكنه أيضاً أضاف إلى ذلك الكثير مما يمكن فعله من أجل طمأنة الغرب بأن "الإخوان المسلمين" في حكم مصر لن يكونوا أبداً أقل حرصاً على دعم "أمن إسرائيل" وحمايته، سواء من خلال الحدود المشتركة في سيناء، أو عبر استخدام سلطتهم حيال القرار الذي يمكن أن تتخذه "حماس" في شأن إدارتها للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

فقد عرفنا لاحقاً أن الرئيس مرسي أرسل رسالة تهنئة دافئة وودودة لنظيره الإسرائيلي شمعون بيريز، وأنه خاطبه بلقب "الصديق الوفي"، حينما أرسل له طلباً للموافقة على تعيين سفير مصري جديد لدى تل أبيب، وهو الطلب الذي شدد فيه الرئيس مرسي على علاقات الصداقة والود التي تربط "البلدين".

ليس هذا فقط، فقد حرص الرئيس مرسي في أكثر من لقاء وحوار على تأكيد التزام مصر بكل المعاهدات والمواثيق الدولية، ولم يصدر عنه أبداً ما يعكر صفو العلاقات المصرية- الإسرائيلية، باستثناء طبعاً مسارعته بسحب السفير المصري من إسرائيل حين شنت تلك الأخيرة عدوانها الأخير على غزة، في أعقاب وصول "الإخوان" إلى الحكم في مصر.

فرغم أن مرسي فعل في هذا الصدد، ما سبق أن فعله مبارك أكثر من مرة، حين كان يسحب سفيره احتجاجاً على عدوان على الفلسطينيين أو اللبنانيين، إلا أن الرئيس "الإخواني" تدخل بشكل فعال للغاية لإيقاف العدوان عبر وساطة مباشرة بين إسرائيل و"حماس"، وهي الوساطة التي عرفنا لاحقاً أنها تمخضت عن تعهده بـ "لجم" الحركة مقابل وقف العدوان.

منذ العدوان الأخير على غزة، لم تصّعد "حماس" مع إسرائيل أبداً، وهو ما يفسر تلقي مرسي رسالة تهنئة من أوباما بخصوص دوره في "حل الأزمة"، وتلقيه "إشادة" نادرة من نتنياهو لمسارعته إلى الوساطة الناجحة التي حققت الهدنة.

وفي أعقاب هذا الدور الذي أشاد به الأميركيون والإسرائيليون، صدر تصريح غريب وشاذ عن قيادي كبير في جماعة "الإخوان"؛ إذ فاجأنا الدكتور عصام العريان الذي كان ينافس على رئاسة حزب "الحرية والعدالة" التابع لـ"الجماعة"، والذي كان يعمل مستشاراً للرئيس مرسي في آن، بدعوة اليهود المصريين الذين هاجروا من مصر في الخمسينيات والستينيات الفائتة إلى العودة، وهو التصريح الذي استنفر عدداً من التصريحات اليهودية والإسرائيلية المرحبة، والداعية في الوقت ذاته إلى "بحث مسألة تعويض اليهود عن ممتلكاتهم التي تركوها وراءهم في مصر".

كانت الدولة المصرية تواجه الضغوط العارمة، وتشرف على الانهيار المالي، وتتدهور عملتها، وينزف الاحتياطي النقدي الضئيل المتبقي في خزائنها، بينما كان العريان يذكّر اليهود المصريين بحقهم في "العودة" إلى مصر، وبالتالي يعطيهم الفرصة للحديث عن "حقهم في الحصول على تعويضات".

يلاحظ المصريون أن خط الغاز الذي كان يضخ الغاز المصري "الشحيح" والذي يباع بـ"أبخس الأسعار" لإسرائيل، إثر اتفاق فاسد عقده مبارك معها، لم يعد يتعرض لسوء منذ وصل مرسي إلى الحكم.

كان هذا الخط يتعرض للتفجير بشكل دوري منذ قامت ثورة يناير حتى سلّم المجلس العسكري الحكم لـ"الإخوان المسلمين". الآن لا يفجر أحد هذا الخط، رغم أنه يمر في صحراء شاسعة يغيب عنها الأمن و تتزعزع سلطة الدولة فيها بشكل كبير.

يلاحظ المصريون أيضاً أن العمليات التي كانت تجري باستمرار طيلة حكم المجلس العسكري عبر الحدود مع إسرائيل، وتخلق توتراً في تلك المناطق، توقفت تماماً بالتزامن مع تراجع "أنصار القاعدة" و"التكفيريين" هناك عن رفع الأعلام السوداء، والتهديد باختراق الحدود وقتل الإسرائيليين.

إذا وقف جون كيري وزير الخارجية الأميركي في مجلس الشيوخ يدافع عن مرسي ويشيد بقدرته على دعم "الأمن والاستقرار" فيما يتعلق بالحدود المصرية- الإسرائيلية، ويخفف من وقع تصريحاته السابقة عن "أحفاد القردة والخنازير"، و"ضرورة إرضاع أبناء المصريين كراهية اليهود"، فلا بد أنه يمتلك ما يجعله يتيقن من مواقف "الإخوان" من أمن إسرائيل وتفوقها وصيانة "السلام" والحفاظ عليه وازدهاره.

بل إن تشاك هيغل المرشح للحصول على منصب وزير الدفاع دافع دفاعاً واضحاً عن مرسي أيضاً وعن حق مصر في الحصول على أسلحة من الولايات المتحدة، وعندما عجز عن مواجهة هجمات أعضاء مجلس الشيوخ عليه في إحدى جلسات الاستماع استناداً إلى تصريحات مرسي "المشجعة على كراهية اليهود"، رأى أن يرمي الكرة في ملعب الرئيس أوباما، مشدداً على أن "المساعدات التي نقدمها لمصر مشروطة بالحفاظ على أمن إسرائيل".

عندما زار مرسي ألمانيا الأسبوع الماضي، كان من المنطقي بالطبع أن يتم توجيه السؤال إليه في شأن تصريحاته عن "أحفاد القردة والخنازير" في 2010، وكان من المنطقي أيضاً أن يتنصل منها كما فعل أكثر من مرة سابقاً. بعد تلك الزيارة بأيام قليلة، أعلنت واشنطن صفقة طائرات "إف 16" جديدة للجيش المصري... لا يمكن لواشنطن منح مصر سلاحا نوعيا إلا إذا كان لديها "كافة التطمينات والضمانات" التي تؤكد قيام الحكومة بـ"الحفاظ على أمن إسرائيل".

تبدو المسألة في غاية الوضوح إذن... لقد تلاعب الإسلاميون بعواطف المصريين والعرب والمسلمين، وقدموا أنفسهم لشعوبهم باعتبارهم "مجاهدين ومناضلين ضد الصهيونية وإسرائيل واليهود... وأحياناً اليهودية"، وضغطوا على الأنظمة القائمة آنذاك، باعتبارها "عميلة، ومستسلمة، وضعيفة، ومهزومة"، ثم وصلوا إلى الحكم في أعقاب الثورات الأخيرة، ليتنصلوا من كل ما قالوه سابقاً، وليعلنوا احترامهم لكل "المعاهدات القائمة"، بشكل استحقوا عليه دعم الأميركيين وإشادة الإسرائيليين، لنجاحهم في الالتزام "بأمن إسرائيل" وإدامة "السلام" الذي طالما أدانوه ونددوا به، ووصفوه بـ"المذلة والاستسلام".

* كاتب مصري

back to top