مازال موقف الولايات المتحدة من ارتفاع أسعار النفط في عقد السبعينيات موضع اهتمام بل وخلاف بين عدد من المحللين والباحثين. ورغم أن أغلبية هؤلاء لا تجادل في أن واشنطن كانت تدعم أسعار نفط عالمية مرتفعة ومتماسكة في تلك الفترة، إلا أن العديد منهم يغفل، وهو يبحث عن الأسباب التي تدفع دولة كبرى مستهلكة للنفط مثل الولايات المتحدة إلى دعم سعر مرتفع للنفط، أحدَ الأسباب الجوهرية وراء ذلك. هذا السبب الذي لا يحظى باهتمام بعض الباحثين هو حاجة صناعة النفط الأميركية إلى مثل هذه الأسعار بسبب ارتفاع متوسط تكلفة إنتاج النفط داخل الولايات المتحدة إلى مستويات تزيد على أسعار النفط العالمية المتدنية التي كانت سائدة قبل حرب أكتوبر عام 1973.
ولم تعد ضغوط شركات النفط الأميركية الرئيسية على البيت الأبيض من أجل دعم ارتفاع أسعار النفط العالمية آنذاك من بين الأسرار المحظور تداولها. وقد ساعدت تلك الضغوط حتماً في توفير غطاء مناسب لقرار «أوبك» الخاص بزيادة أسعار النفط بنسبة 500% والذي تسبب في الصدمة النفطية الأولى في البلدان المستهلكة. وكما كان الموقف الأميركي مواتياً ومتوافقاً مع حاجة دول «أوبك» إلى تحسين مستوى أسعار النفط في ذلك العقد من الزمن، فإن تمكن الولايات المتحدة من تطوير تقنية استخراج النفط والغاز الصخريين بما يمكنها من استغلال هذا النفط والغاز بتكاليف اقتصادية قد تصل إلى نحو 50 دولاراً للبرميل في المتوسط هو تطور مواتٍ ومتوافق مع حاجة «أوبك» الراهنة إلى تعزيز أهمية النفط في الخارطة العالمية لمصادر الطاقة.صحيح أن ذلك قد يمكن الولايات المتحدة، الدولة الأعلى استهلاكاً للنفط في العالم من التحول إلى دولة مكتفية ذاتياً بما لديها من نفوط، بل وربما إلى دولة مصدرة للنفط لاحقاً، إلا أن هذا التحول يشكل، بحد ذاته، تطوراً إيجابياً من وجهة نظر منظمة أوبك. فهو يعني أن النفط مرشح لاستعادة جانب من مكانته التي فقدها لصالح مصادر أخرى بديلة للطاقة، وسيكون ذلك بدرجة أساسية على حساب الفحم باعتباره أكبر مصدر ملوث للبيئة، وعلى حساب الطاقة النووية التي تفاقمت مخاطرها في العقد الأخير من الزمن، خاصة بعد كارثة المحطة النووية اليابانية «فوكوشيما»، وعلى حساب التسارع الذي شهدته حصة مصادر الطاقات المتجددة في السنوات الأخيرة.كما أنه يعني أن أسعار النفط لن تتعرض لضغوط كبيرة في العقدين المقبلين من الزمن، بل ستظل متماسكة عند مستويات مرتفعة نسبياً بسبب دخول الزيت الصخري إلى الأسواق، بما يمثله من ارتفاع قياسي في التكلفة الحدية للنفوط، فضلاً عن أن مشاريع إنتاج النفط الصخري لن تكون مجدية اقتصادياً في ظل أسعار نفط منخفضة. ومن شأن ذلك أن يعزز من قدرة أسعار النفط على التماسك الذي كانت مرشحة له أصلاً بسبب معدلات النمو الحادة في الطلب على مصادر الطاقة الأحفورية في البلدان الرئيسية النامية، وخاصة الصين التي يتوقع أن تستعيد زخم نموها الاقتصادي في ظل قيادتها الجديدة، وكذلك الهند ومنطقة الشرق الأوسط.إضافة إلى كل ما سبق، فإن الولايات المتحدة كانت قد خفضت من اعتمادها على نفوط منطقة الخليج منذ سنوات طويلة، وكثفت في المقابل عمليات استيراد النفط من كندا والمكسيك وبلدان أخرى في أميركا الجنوبية، وستكون هذه المصادر أكثر عرضة للتأثر بالتوسع المرتقب في إنتاجها من النفط الصخري. أخيراً وليس آخراً، لا يجوز لنا أن نسطح أو أن نحصر الأهمية الاستراتيجية للخليج في ما تستورده الولايات المتحدة من نفوط هذه المنطقة، فتلك الأهمية كبيرة كما هي شبكة المصالح الاقتصادية الواسعة التي تربط اقتصادات الخليج بالشركات الأميركية العملاقة، سواء منها العاملة في مجال الطاقة أو الصناعة أو الخدمات المدنية والدفاعية.* أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت
مقالات
وجهة نظر: هل حقاً أصبح الخليج في مهب الريح؟ (3)
19-01-2013