تمنح جائزة مان بوكر الدولية كل سنتين مرة لأحد كتاب العالم الأحياء سواء كتب بالانكليزية أو ترجمت أعماله من لغته الأم الى الانكليزية. وأنشئت الجائزة عام 2004 ليفوز بها على التوالي: الألباني اسماعيل قادري وهو كاتب معروف في العالم العربي ترجم له عفيف دمشقية رواية قصة مدينة الحجر، النيجيري الأشهر شينو أشيبي وهو يكتب بالانكليزية كلغة أولى، الكندية أليس مونرو، الأميركي فيليب روث والذي أدى فوزه عام 2011 الى ضجة أدبية سببتها الناقدة الأسترالية "كارمن كاليل" حين انسحبت من لجنة التحكيم غاضبة على منحه الجائزة لتكتب مقالا في الغارديان البريطانية، موضحة أن فيليب روث يكتب منذ عشرين عاما في الموضوع ذاته ولن يجد من يقرأه بعد عشرين عاما من الآن. وتكمل الناقدة "ولأن الجائزة تمنح للكاتب عن مجمل أعماله على غرار البوكر المعروفة فإن قراءات سنتين من أعمال مختلفة من جميع أنحاء العالم تمت ترجمتها للانكليزية لكتّاب من الشرق الأوسط وإفريقيا وأميركا اللاتينية وأوربا تجعل منح الجائزة لكتاب اللغة الانكليزية بخسا لحقهم ولثقافتهم ونحن نتحدث عن جائزة دولية".

Ad

الفائزة الأخيرة بجائزة البوكر الدولية هي أيضا كاتبة أميركية ولغتها الأم الانكليزية لكنها كاتبة مختلفة تستحق فعلا أن يهتم بها وتترجم أعمالها، ونقصد هنا العربية تحديدا. ليديا ديفز كرست عملها للقصة القصيرة جدا والتي لا تتعدى أحيانا الفقرة الواحدة تتناولها بأسلوب أخاذ وبلغة بسيطة وعميقة تاركة حقولا من المضامين للبحث في زوايا كل قصة. ورغم أنها في مجمل أعمالها لم تكتب سوى رواية واحدة الا أن مجاميعها القصصية تحقق لها صدارة هذا الفن الصعب والذي كادت سطوة الرواية أن تقضي عليه كجنس أدبي أو Genre له طقوسه الكتابية ومفاتيحه وشفراته الكتابية الصعبة.

ليديا ديفز، وهي بالمناسبة زوجة الكاتب الأميركي بول أوستر قبل أن ينفصلا، وربما في قراءة أعمالها القصصية القصيرة التي جمعتها مؤخرا في كتاب واحد كانت الاشارة دائما الى الآخر في حياتها والذي يقاسمها ذات الانشغال بالكتابة اشارة ضمنية لأوستر، وبالاضافة الى كتابة القصة ترجمت من الفرنسية أعمالا مميزة لفلوبير وبروست وفوكو وتركت هذه الأعمال أثرا كبيرا في جملها القصيرة والعميقة.

هذه ترجمة حرفية لاحدى قصص المجموعة الكاملة بعنوان "من الأسفل، كجارة": لو لم أكن أنا وسمعتني من الأسفل، كجارة، أتحدث اليه، لقلت كم أنا سعيدة لأنني لست هي، لست هذه الصاخبة كصخبها، ولي هذا الصوت الذي يشبه صوتها والرأي الذي يماثل رأيها. ولأنني لا استمع لنفسي من الأسفل، كجارة، ولا أسمع كيف هو صخبي، فأنا لست سعيدة كوني لست هي، كما  سأكون وأنا أستمع اليها. الآن مرة أخرى، ولأنني أنا هي، فأنا لست آسفة لأنني هنا في الأعلى، حيث لا استمع اليها، كجارة، وحيث لا أستطيع أن أقول لنفسي، كما يجب علي من الأسفل، كم أنا سعيدة لأنني لست أنا هي.

في أغلب قصصها القصيرة هناك حركة لغوية متقنة وتركيز عال للقراءة هو بالتأكيد تركيز كتابي بالدرجة الأولى لمتابعة الأصوات المتلاحقة في فقرة بسيطة. لا تستطيع أن تترك نصا بهذا الحجم يفلت منك بسرعة. دائما تحتاج لتركيزك العال في القراءة. ترتب الجمل وتعيد ترتيب ثلاثة أصوات وأنت تستمع لصوت واحد فقط. هناك دائما، وفي أسطر قليلة، هي وآخر وأخرى في علاقة قد لا تحتملها نصوص بهذا الحجم ولكن متعة هذا التفكيك تستحق الاستمرار في القراءة.