عيدان ولكن!

نشر في 27-02-2013
آخر تحديث 27-02-2013 | 00:01
 د. حسن عبدالله جوهر الأعياد الوطنية من أهم المحطات التي تعزز الشعور بالانتماء والمواطنة، حيث تتوحد الشعارات والأعلام، وتكتسي البلد حلة موحدة اسمها الكويت، وعندنا عيدان وطنيان بدل العيد، الأول إعلان الاستقلال والتحول إلى دولة مستقلة في عام 1961، والثاني استعادة هذه الدولة التي سرقت لسبعة أشهر ولكنها رجعت إلى أحضان شعبها وعاد شعبها إلى أحضانها عام 1991.

وما بين هذين العيدين فاصل زمني شهد تعاقب ثلاثة أجيال، وشهد العالم خلالها تحولات هائلة في البعدين السياسي والإنساني، فسياسياً كانت هناك أمواج من العواصف التي أدت إلى سقوط أنظمة سياسية وتبدلت نماذج الحكم في العديد من الدول، كما شهد العالم حالات من التوسع والانكماش الجغرافي في الكثير من مكوناته، فولدت أمم جديدة واختفت أخرى من الخارطة الكونية.

وفي البعد الإنساني سجلت البشرية أقصى مؤشرات الإبداع في فتوحات العلم والتكنولوجيا وانفجار المعلوماتية وغزو الفضاء الخارجي، لتعيد توزيع مقاييس القوة بين الأمم والشعوب كماً وكيفاً، فتعملقت دول وتقزمت أخرى، في حين مازالت أمم ثالثة في نوم عميق وسبات متواصل.

وبين هذين العالمين الكبيرين نستقبل ككويتيين مناسباتنا الوطنية الخاصة بمشهدين آخرين تمتزج بينهما مشاعر متضاربة وأحاسيس متناقضة، حيث أجواء الاحتفال بمناظرها الخلابة، وزينتها الرائعة، وبراءة الأطفال والشباب في ترجمة صور الفرح والسعادة من جهة تبعث على الأمل والتفاؤل، والتوتر السياسي والصخب الإعلامي والتراشق اللفظي والاعتقالات، والمحاكمات السياسية على الجهة الأخرى تفرض آفاقاً من العتمة والقلق.

نعم قد تكون هذه الصور المتباينة سمة الحياة بتناقضاتها، ولكن تبقى مثل هذه التناقضات لا تحتمل في بلد صغير، وبات ممزقاً في ظل ركود كل شيء تقريباً، فلا سياسياً تطورنا أو على أضعف الإيمان شهدنا استقراراً مطمئناً يوحي بالتدرج نحو الأفضل، ولا تقنياً ومعلوماتياً استطعنا بجهودنا أو عن طريق السوق العالمية المفتوحة على مصراعيها، أن نحسّن من شكل ومضمون ديرتنا مدنياً ومعمارياً وتكنولوجياً وخدماتياً، ونحن في أوج قوتنا الاقتصادية وسيولتنا النقدية.

ومازلنا نجتر ذات المطالب و"نتحلطم" على نفس المشاكل، بدءاً من سوء الخدمات الطبية وزحمة الشوارع، مروراً بأشكال الفساد الإداري والمالي، وانتهاءً بالإصلاح السياسي تحت شعار الأمة مصدر السلطات جميعاً!

والأخطر من ذلك كله، فمن دواعي الأسى والحزن أن يكون عندنا بدل العيد الوطني عيدان، ولعل عيد التحرير من الاحتلال العراقي بات الأهم في المقاييس السياسية والأمنية، ومع ذلك لم نحقق أولى خطوات العلاقة بين الفرد والدولة المتمثلة بمفهوم المواطنة، فهذه القيمة الأصلية مازالت من الهشاشة رغم الادعاءات الشكلية بالوطنية ولبس الأعلام وإنزالها من على أسطح البيوت، إذ إن الكثير يعتبرون البلد مجرد صندوق سحب آلي خاص بهم بدون مقابل في العطاء حتى في الوظيفة اليومية، والمصيبة أن حتى هذه المواطنة الهشة صارت عرضة للتخوين والتشكيك من الجميع ضد الجميع، ولذلك فقدت قيمتها الاعتبارية ومركزيتها في بناء الدولة.

هذه هي التحديات التي تواجهنا اليوم، والتي يجب أن نخصص لها الأعياد والمناسبات الوطنية ونحتفل حقاً إذا استطعنا أن نحققها ونترجمها قولاً وعملاً، وكل عام وأنت بخير يا كويت!

back to top