Gravity... ضياع في الفضاء مع بولوك وكلوني

نشر في 12-10-2013 | 00:04
آخر تحديث 12-10-2013 | 00:04
لا يمكن مشاهدة فيلم Gravity عبر جهاز «آي فون» أو «آي باد» أو الشاشة التي نشاهد عليها روبن ويليامز ومايكل جي فوكس وهما يحاولان إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. لا يمكن فعل ذلك بحسب رأي المخرج ألفونسو كوارون. بل يجب التفاعل مع فيلم Gravity والغوص في أعماقه.
{يجب إيجاد شاشة {آيماكس} ثلاثية الأبعاد وسماع الأصوات بتقنية {دولبي أتموس}. تكون التأثيرات البصرية والصوتية أكثر قوة في ظل هذه الظروف. نشأ هذا الفيلم لتقديم عمل عميق ونوعي. أريد أن يطوف المشاهدون في الفضاء وأن يشاركوا في الرحلة مع الشخصيات}، يقول المخرج ألفونسو كوارون:

استناداً إلى التعليقات الحماسية والإيجابية تجاه فيلم كوارون، يبدو أنه نجح في تحقيق هدفه. يُعتبر فيلم الخيال العلمي «الآسر» (بحسب مجلة Entertainment Weekly) الذي يتمحور حول حادثة في الفضاء «أحد أبرز الإنجازات المذهلة في تاريخ السينما المزودة بالتأثيرات الخاصة» (مجلة Time Out)، وينجح الفيلم في جعل المشاهدين «يغوصون» (موقع The Village Voice) في تجربة رواد الفضاء.

أمضى كوارون (مخرج أفلام Y Tu Mama Tambien و Children of Menو Harry Potter and the Prisoner of Azkaban) سنوات وهو يحضّر لهذا المشروع، وسنوات أخرى وهو يخطط للتأثيرات التي سيستعملها، وسنوات إضافية وهو ينتظر موافقة نجمَي الفيلم الفائزين بجائزة أوسكار، ساندرا بولوك وجورج كلوني، «لأني لم أتخيل سرد هذه القصة من دونهما. كان يجب أن يواجها تحديات هائلة لتقديم الأداء المناسب، وثمة لقطات قوية ومبرمجة مسبقاً عبر الحواسيب والرجال الآليين، وينحصر الممثلان داخل بذلات مزعجة جداً. عدا ذلك كله، تبقى قدرة الممثل على إقناع المشاهدين بأنه يخوض بدوره هذه التجربة المرعبة متعلقة بموهبته التمثيلية».

كان كوارون يعلم أن العمل يحتاج إلى نجوم مؤثرين وبارعين كي يكسبوا تعاطفنا بفضل حضورهم وأصواتهم وتاريخهم. كلوني وبولوك مجرد وجهين وصوتين نشاهدهما عبر خوذات الفضاء حين يواجهان الرعب الناجم عن اصطدام في الفضاء والخوف من الموت وحدهما «في الأعلى».

يوضح كوارون: «يدور الفيلم بالكامل ضمن منطقة «الجاذبية الصغرى». عبرت مركبة «أبولو 13» تلك المنطقة عبر عدد من المشاهد اللامعة. اصطحب رون هاورد الممثلين إلى طائرة التدريبVomit Comet التابعة لوكالة «ناسا» لتصوير مشاهد انتقالية كانت كفيلة بإقناع المشاهدين. هناك، تقع أحداث الفيلم كلها في الخارج، ضمن نطاق الجاذبية الصغرى بالقرب من فضاء كوكب الأرض. صُوّرت لقطات طويلة ومتواصلة في ظل هذه البيئة. استعنّا بأضواء وكاميرات محوسبة وممثلين يرتدون بذلات فضائية، وابتكرنا خدعة بصرية من التحليق والدوران في الفضاء».

إثبات الذات

«جاذبية الأرض» المذكورة في عنوان الفيلم (Gravity) هي حرفية ومجازية في آن بحسب بولوك لموقع Space.com، لأن «غياب الجاذبية كان الطريقة الأمثل لوصف عدم القدرة على إثبات الذات». يؤكد كوارون على أن هذه الصورة كانت مقصودة: «هذا ما يربطنا بالأرض. إنه عامل أساسي لحياة البشر... نحن أمام شخصية تطوف في الفراغ لأنها فقدت ثقتها بنفسها ووقعت ضحية قرارها الخاص بالانغلاق على ذاتها. تبتعد حرفياً عن التواصل وإقامة الروابط مع البشر. يجب أن تتعلم محاربة عزلتها والخروج من قوقعتها لإيجاد القوة التي فقدتها».

لكن بعيداً عن الناحية المجازية وعمق الفيلم العاطفي، أراد كوارون أن يكون فيلمه الأول منذ سبع سنوات قوياً ومشوقاً لأقصى الدرجات، لذا لا مفر من عرض أسوأ السيناريوهات المتلاحقة التي يمكن أن يواجهها رائدا الفضاء (ركام فضائي، حوادث اصطدام، تحلل المدارات، تقلص إمدادات الأوكسجين).

يقول كوارون الذي يعترف بأنه مهووس بالفضاء ضاحكاً: «لم نشاهد جميع هذه السيناريوهات السيئة مطلقاً طوال 50 عاماً من استكشاف الفضاء. من المدهش ألا يؤدي إرسال الناس إلى أكثر الأماكن عدائية إلى كوارث متتالية. لكن لم يحدث ذلك بفضل حكمة وذكاء والتزام الأشخاص الذين يرسلون رواد الفضاء إلى هناك. لكن ماذا عن بذلاتهم الفضائية؟ لا تبدو قوية ومتينة بقدر ما نظن عند تصنيعها».

تأثيرات مدهشة

المخرج المكسيكي الذي سيبلغ 52 عاماً في شهر نوفمبر معروف منذ فترة طويلة بتقديم أعمال مشحونة باللحظات العاطفية. بقدر ما أصر على استعمال تأثيرات مدهشة وحث المشاهدين على خوض تجربة رقمية ثلاثية الأبعاد تضمن الغوص في قصة Gravity، كان يشك بأن فيلم الخيال العلمي المرتفع الميزانية قد يدفع الناس إلى البكاء.

لكنّ رد الفعل ذلك خلال العروض الأولى «كان أسعد مفاجأة على الإطلاق». أصر شريكه في الكتابة (ابنه جوناس) منذ البداية على أن الناس سيتفاعلون مع الفيلم بهذه الطريقة. يظن أن عرض قصة مشوقة تجعل الناس على أعصابهم وتضمن تفاعلهم مع الشخصيات يعني جعل المشاهدين يستسلمون لمجريات القصة بطريقة منطقية. وعندما يستسلمون لهذه الدرجة، يطلقون العنان لعواطفهم.

فيلم سيذهلكم!

كولن كوفرت

التأثير العاطفي ليس أول ما يفكر به الناس حين يتمحور موضوع العمل حول مغامرات الخيال العلمي. لكنه إحدى المزايا التي تجعل فيلم Gravity إنجازاً فضائياً مدوّياً. العمل ليس مجرد قصة درامية عن حقبة مستقبلية بعيدة، بل دراما إنسانية عالمية حول الحاجة إلى الأمل في الظروف اليائسة.

إنها حكاية لافتة عن رائدَي فضاء أميركيين وجدا نفسَيهما وحيدين بعيداً في الفضاء. يشمل الفيلم مشاهد حركة لامعة وحبكة سردية مشوّقة. كذلك يتضمن عدداً من أفضل المهارات التقنية المبهرة التي لم يسبق أن شاهدناها في عالم السينما.

لكن تكمن نقطة قوته الفعلية في حبكته المشوقة ومعالم التوتر التي تطبع القصة والأمل شبه المفقود. أخرج ألفونسو كوارون الفيلم ببراعة لافتة ورؤية خارقة، وهو لا يهدف إلى إثارة دهشة المشاهدين بالتأثيرات البصرية المذهلة بل إلى لمس أرواحنا.

مع ذلك، تبقى التأثيرات أساسية لتعزيز قوة الفيلم، وهي تنقل مواضيع الخسارة والولادة الجديدة عبر الصور بدل الحوار. المشهد الافتتاحي المتواصل والمصمَّم بشكل مدهش طوال ربع ساعة يكفي ليكون أسطورياً بمعنى الكلمة. تطوف الكاميرا بكل سلاسة عبر الفضاء وتتعقب البطلين: رائدة الفضاء المبتدئة راين ستون (ساندرا بولوك) وقائد البعثة المخضرم مات كوالسكي (جورج كلوني) فيما يصلحان «تلسكوب هابل الفضائي» على علو 370 ميلاً فوق كوكب الأرض. المشهد العام مدهش لكن مألوف كأي فيلم وثائقي من إنتاج وكالة «ناسا». الحوار بسيط وسلس. يواصل كوالسكي دعاباته ومحادثاته الخفيفة لتهدئة أعصاب ستون.

يَرِد أمر عاجل من هيوستن بإلغاء المهمة: انفجر قمر اصطناعي روسي وبدأ يبث وابلاً من الشظايا باتجاههما. الانفجار القاتل يسبب دويّاً عنيفاً ويمزق المحطة الفضائية إلى قطع صغيرة ويجعل ستون تدور في الفراغ. مع هدوء الجو، يختصر المشهد جمال الفضاء الغادر ولامبالاته المرعبة بحياة البشر. تعكس طريقة تصوير إيمانويل لوبيزكي اللامعة كابوساً حقيقياً بمعنى الكلمة.

طريق العودة

يتابع Gravity مسار الثنائي أثناء البحث عن طريق العودة إلى ديارهما. يجب أن تبحث شخصية بولوك أيضاً عن سبب للعيش. تشمل مظاهر الفيلم المبتذلة لكن القليلة تاريخ البطلة المجروحة بسبب كارثة شخصية قديمة تحد من رغبتها في النجاة. أما كان يجب أن ترصد اختبارات اللياقة النفسية التي يخضع لها رواد الفضاء ذلك الجانب من شخصيتها؟ كذلك، ألا يُعتبر الكابوس الذي يعيشه القائد كوالسكي خلال مهمته الأخيرة فكرة مبتذلة أخرى؟

إنه أول وآخر انتقاد عابر يمكن أن أوجّهه إلى الفيلم. تكمن نقطة قوة بولوك كممثلة في ضعفها الكامن، وهي الخيار المثالي لأداء دور امرأة خدّرها الحزن وتسعى إلى استكشاف موارد لا تعلم أنها تملكها. أما كلوني الذي يحافظ على رباطة جأشه تحت الضغط، فيقدم أداء يجسّد معنى الشهامة بطريقة مؤثرة. يعكس سخاؤه في الأداء التمثيلي قلق كوالسكي الصادق على ستون.

يستعمل كوارون تقنيات علمية وسينمائية صعبة لعرض تفاصيل سمعية وبصرية مؤثرة. بفضل طريقة استعماله للأصوات ولحظات الصمت التام ومشهد الفضاء الخالي من الهواء، تنتشر مشاعر رعب حقيقية. حين تحصل ستون على الهواء موقتاً وتخلع بذلتها الضخمة وترتاح، يتخذ جسمها وضعية الجنين في رحم أمه وتحيط بها أسلاك مثل حبل السرة بما يشبه مخلوق «ستارتشايلد» في فيلم 2001.

المشهد المؤثر الأخير عبارة عن سباق محتدم بين مختلف الحالات التي تعكس تطور الحياة على كوكب الأرض. ينقل لنا سلسلة مدهشة من احتمالات خفيّة تذكّرنا بأمر واحد: مهما تقدمنا في استكشاف الفضاء، تبقى رحلة البشر في بدايتها!

back to top