قراءة تعيين تشاك هيغل في طهران
سمعنا الكثير عن ردود فعل واشنطن حيال تسمية الرئيس الأميركي باراك أوباما تشاك هيغل وزيراً للدفاع. لذلك قد يكون من الأفضل أن نولي بعض الاهتمام لنظرة طهران إلى هيغل.حذّر بعض المحللين الأميركيين من أن تسمية هيغل ستبعث برسالة سلبية إلى النظام الإيراني، فقد عارض هيغل فرض عقوبات على إيران، واعتبر الحرب ضدها فاشلة، كذلك يشير منتقدو هيغل إلى أن مجرد تسميته تُظهر أن إدارة أوباما ليست جادة بشأن اللجوء إلى القوة لوضع حد لطموحات إيران النووية، ما يقوّض الدبلوماسية الأميركية ويجعل الصراع العسكري أكثر احتمالاً، لا العكس.
لا شك في أن مجلس الشيوخ الأميركي هو مَن سيحدد مصير هيغل، ولكن من المفيد أيضاً أن نفهم نظرة القيادة الإيرانية إلى تسمية هيغل.من المؤكد أن النظام الإيراني ليس فرحاً بتعيين هيغل، رغم ما يقوله بعض منتقديه. صحيح أن هيغل يتوخى الحذر في التعاطي مع أي حملة أميركية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، غير أن هذه الحملة ليست السبب الذي يقض مضجع القائد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي. فستدفع أي ضربة أميركية بالشعب الإيراني إلى الاحتشاد وراء قادته، ما يرسخ النظام الثيوقراطي الذي يبدو راهناً متأرجحاً ومنقطع الأنفاس، ولا شك في أن الضربة الإسرائيلية ستؤدي إلى النتائج عينها أو ربما أفضل.لا تخشى القيادة الإيرانية الطائرات الأميركية، بل تخشى المتظاهرين الإيرانيين. تتمحور مخاوفها الأعمق حول مواجهة نسخة فارسية من "ميدان التحرير"، أو تكرار انتفاضة عام 2009 الخضراء وإخفاق ظلم النظام العنيف في قمعها. والمفارقة أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تخشى الناشطة الإيرانية المسجونة نسرين ستوده، التي تدافع عن حقوق الإنسان، أكثر مما تخاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.نتيجة لذلك، يبدو رد فعل طهران تجاه تسمية هيغل أقرب إلى هز الكتفين، لا تنفس الصعداء. لا تعتقد الجمهورية الإسلامية بالتأكيد أن معضلتها النووية حُلّت مع تسمية هيغل. فيرى قادة إيران أن "عداء" الولايات المتحدة يشكل جزءاً من مؤسساتها ونظامها، ولا ينبع من سياسات حزبية محددة أو تعيينات فردية. قال حسين سلامي، مسؤول بارز في حرس الثورة الإيراني، متحدثاً عن هيغل: "ننظر إلى الولايات المتحدة كنظام سياسي وعقائدي تحركه مصالحه الاستراتيجية، لا إلى سياسيين أفراد". تجلى هذا الواقع خلال المرحلة الانتقالية بين جورج بوش الابن وباراك أوباما. فقد جاء رد فعل الجمهورية الإسلامية تجاه انتخاب أوباما عام 2008 متناقضاً. فمن جهة، عبر النظام الإيراني عن قلقه من أن إنجاز أوباما الأول من نوعه وحياته المليئة بالانتصارات قد تجذب المواطن الإيراني بطريقة عجز عنها أي رئيس أميركي سابق.ظل النظام الإيراني، من جهة أخرى، متمسكاً باعتقاده أن الخصومة القديمة مع الولايات المتحدة تعود إلى أوجه خلاف لا يمكن تخطيها: ما يعتبره معارضة واشنطن الراسخة للثورة الإيرانية، دعمها المطلق وغير المدروس لإسرائيل، وإصرارها على التنافس مع إيران على السيطرة على منطقة الشرق الأوسط.إذا لم يبدل انتخاب أوباما نظرة طهران إلى سياسة الولايات المتحدة، فمن الصعب أن تغييرها تسمية هيغل. لا شك أن سأم الولايات المتحدة من الحروب يبدو جلياً للجميع، ولا يقتصر بالتأكيد على قدامى حرب فيتنام، أمثال هيغل. فيستطيع صانعو القرار الإيرانيون قراءة صحيفة "نيويورك تايمز" ومشاهدة الـ"سي إن إن" كأي إنسان آخر. وهم يعون طبعاً التردد المتفشي بين الشعب الأميركي ونخبته على حد سواء بشأن شن حرب ضد إيران بسبب برنامجها النووي. لن يستبعد القادة الإيرانيون إمكان مواجهة صراع عسكري مع القوة العظمى في العالم، بغض النظر عمن يرأس وزارة الدفاع الأميركية. فمن الممكن لضربة إسرائيلية ضد منشآت إيران النووية، أو تصادم أميركي- إيراني في الخليج العربي، أو تحرك إيراني مفاجئ نحو تطوير سلاح نووي، أن تشعل صراعاً كبيراً بين الولايات المتحدة وإيران. وقد استعدت طهران لهذا الاحتمال بأفضل الطرق الممكنة: دفن منشآتها النووية تحت الأرض وتحصينها، وتوسيع قدراتها البحرية، وتطوير مئات الصواريخ التي تستطيع استهداف الأصول الأميركية في الشرق الأوسط.لكن النظام الإيراني يعتقد أن تراكم تأثيرات العقوبات واحتمال حدوث اضطرابات داخلية الخطر الحقيقي الذي يهدد سلطته في إيران، لا إمكان نشوب صراع مسلح. فقد أقر وزير النفط الإيراني أخيراً أن عائدات النفط في بلده تراجعت بنسبة 45 في المئة خلال السنة الماضية. كذلك رأى المواطنون الإيرانيون مدخراتهم تتبدد نتيجة تراجع قيمة العملة. وقد تؤدي الانتخابات الرئاسية في شهر يونيو عام 2013 إلى تجدد الصراعات السياسية الداخلية والاضطرابات الشعبية.هذه هي نظرة طهران. وإذا تأملنا تسمية هيغل على ضوئها، يتبين لنا أن طهران لن تعتبرها إشارة إلى ضعف الولايات المتحدة. على العكس، قد يؤدي تأمل الولايات المتحدة خياراتها العسكرية بدقة وتأنٍّ إلى تعزيز الائتلاف الدولي ضد إيران، وتعميق عزلة طهران، وتأجيج التوترات الداخلية التي قد تسبب في النهاية سقوط النظام.إذن، لا تخشى الجمهورية الإسلامية احتمال أن تواجه مسؤولين أميركيين عنيفين وعدائيين، بل مسؤولين يتحلون بالصبر والتعقل.*محلل سياسي بارز في «مؤسسة راند».