«رامز عنخ أمون» و«الإخوان المسلمين»

نشر في 04-08-2013 | 00:01
آخر تحديث 04-08-2013 | 00:01
 ياسر عبد العزيز تقول بعض شركات التحقق من الانتشار، المتخصصة في قياس نسب الإقبال على مشاهدة البرامج التلفزيونية والفضائيات، إن برنامج المقالب "رامز عنخ آمون"، الذي يقدمه ممثل كوميدي مصري على فضائية "الحياة"، يتصدر قائمة البرامج الأكثر مشاهدة، وبالتالي يحقق أكبر العائدات، وهو الأمر الذي أكدته أيضاً استطلاعات رأي عديدة.

تقوم فكرة البرنامج على دعوة نجم أو نجمة لزيارة مقبرة أثرية في الصحراء، للقيام بالدعاية للسياحة المصرية، وجذب السائحين لزيارة البلاد، للتعرف إلى عظمة آثارها.

حينما يصل النجم بطل الحلقة إلى موقع التصوير، يجد ورشة كبيرة بالفعل تضم عمالاً ومهندسين وفنيي آثار، كما يجد خبراء أجانب يصورون مع بعض القنوات العالمية، وبالتالي فإنه يقتنع تماماً بأهمية الحدث الذي يشارك فيه وبصدقيته أيضاً.

بمجرد أن يدخل النجم المدعو إلى المقبرة المجهزة في باطن الأرض، يتخلى عنه مضيفوه لأسباب تبدو مقنعة، ثم يُترك وحده ليواجه تهديدات مرعبة؛ منها انقطاع الكهرباء، والاحتجاز في قبو، وهجوم من طيور وثعابين، واهتزازات أرضية، وأخيراً فإن على النجم المدعو إلى الحلقة أن يواجه مومياء تتحرك وتتحرش به.

يسعى القائمون على البرنامج إلى رصد كافة ردود فعل النجم المدعو عبر زرع الكاميرات في أماكن مختلفة، وفي اللحظة التي يتم حبس النجم فيها، ويبدأ خلالها هجوم الطيور والثعابين عليه، أو عندما يتعرض لشعور بالاختناق والهلع الشديد، تبدأ تصرفاته تميل إلى الخشونة، ويتجه معظم هؤلاء النجوم لإطلاق الشتائم.

في بعض الأحيان، تجاوز نجوم مستضافون كافة الخطوط، خصوصاً عندما تحرشت بهم المومياء المزعومة، حيث قام عدد من هؤلاء بالاعتداء البدني على طاقم العمل، وتوجيه الشتائم الغليظة بحقهم جميعاً في أجواء هيستيرية.

ما يجب أن ندركه جميعاً هنا، أن القائمين على البرنامج يبدون أكثر بهجة، وأكثر إطالة في التصوير، وأكثر تأكداً من سخونة الحلقة ورواجها، وبالتالي أكثر حصولاً على العائدات من الإعلان، كلما كان رد فعل النجم حاداً، ومتجاوزاً، وعنيفاً، وساقطاً أخلاقياً. وبالتالي فإن صناع هذا العمل لا يهتمون لكرامتهم أولاً، ولا لصحة النجم المستضاف وتوازنه النفسي، ولا للمشاهدين الذين سيتعرضون لما يخدش حياءهم، ولا لقواعد الممارسة الإعلامية، لكنهم يبدون الاهتمام الأكبر بتأمين أكبر قدر من التجاوز والتوتر والانفلات، وبالتالي حصد أكبر قدر من الرواج والمشاهدة والعائدات الإعلانية.

تفعل جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر شيئاً مشابهاً تماماً في هذه الأيام.

إنه نمط من أنماط "الصيد الجائر"، وصورة من صور "الميكيافيلية" الحادة، ووسيلة ساقطة أخلاقياً، تريد من خلالها الجماعة أن تحسن صورتها في العالم، وأن تُبقي على حظوظها في الحضور السياسي الفاعل في الواقع الذي يتشكل في مصر، في أعقاب انتفاضة 30 يونيو، التي أطاحت بحكم محمد مرسي.

تفعل الجماعة شيئاً مشابهاً لما يفعله "رامز عنخ أمون تماماً"؛ فهي تقيم "مقبرة مزعومة" للشرعية، وتموه على المدعوين، فتخبرهم أنهم سيأتون لزيارة مدفن الديمقراطية، وليس لزيارة مأتم "أحلام الجماعة الضائعة"، ثم تصطنع أجواء تهديدية مرعبة، وتضغط على الخصم/ المدعو/ الشرطة والجيش/ المواطنين المصريين، ليصبحوا في أجواء صعبة وتحت ضغوط عارمة، ثم تسجل ردود فعلهم في تلك اللحظات، لتعلنها على العالم، وتحقق بها أكبر العائدات.

تريد جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر أن تعيد صياغة قصتها في الحكم، بشكل يحفظ ماء وجهها، ويحميها من الانحلال والفناء، ويحسن صورة قياداتها في التاريخ.

تريد الجماعة أن ننسى أنها تحايلت على ثورة 25 يناير، وخدعت الثوار، وسرقت ثورتهم، بعدما كانت قد قررت عدم المشاركة في أيامها الأولى خوفاً من سلطة مبارك. وتريد أن ننسى أنها حنثت بوعودها عن "المشاركة لا المغالبة"، وراحت تنافس على معظم مقاعد المجالس النيابية، وتهيمن على البرلمان، وتنافس على منصب الرئيس، وتفوز به، وتشكل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، وتنفرد بوضعه، وتستخدم ماكينتها الانتخابية غير النزيهة في إقراره، لتفرض على البلاد حكماً دكتاتورياً في صورة سلطات منتخبة، ولتبدأ خطتها لـ"أخونة الدولة"، والسيطرة على كافة مفاصلها، وتعريض أمنها القومي للخطر.

تريد الجماعة أن تعيد رواية ما جرى اعتباراً من يوم 30 يونيو بوصفه "انقلاباً عسكرياً"، وليس موجة ثورية استدعت الجيش فلبى نداءها، وبالتالي فإنها تسعى إلى خلق مظلومية جديدة، تصور نفسها فيها على أنها "قوة الخير الديمقراطية" التي "اقتلعها الانقلاب العسكري الدموي"، الذي يتطلب بقاءه في الحكم "قتل المتظاهرين والمعتصمين".

تنصب الجماعة اعتصامي "رابعة العدوية" و"النهضة"، وتأمر أتباعها بالتخلي عن أعلام القاعدة السوداء وشعارات "محاربة العلمانيين والنصارى لنصرة الإسلام"، واستبدال أعلام مصر وشعارت الديمقراطية والشرعية بها.

تعرف الجماعة أن أعداد المعتصمين قليلة، وأن معظمهم يتقاضى أموالاً ليواصل البقاء في الميدانين، وأن بعضهم ضربه الإنهاك أو الملل وبات في طريقه للخروج، وأن الدولة بدأت تثبت أن التجمعين في "رابعة" و"النهضة" غير سلميين، وأن القانون يتيح فضهما، وأن الشعب فوض الجيش في القيام بعملية الفض ضمن إطار سيادة القانون.

ولذلك، فإن الجماعة تلجأ إلى ممارسة قريبة جداً مما يفعله "رامز عنخ أمون"، حيث تطلب من أتباعها تنظيم مسيرات متعددة، تقوم بقطع الطرق، وإلقاء الحجارة على المواطنين أو المنشآت، وإطلاق الرصاص في أحيان عديدة، وفي اللحظة التي ترد فيها الشرطة أو الجمهور على اعتداءات الجماعة وتجاوزاتها، تكون الكاميرات قد وجدت الصيد الذي تنتظره، فيتم تصوير تلك الاشتباكات، على أنها استهداف للجماعة واعتداء عليها، ثم يتم تسويقها في العالم أجمع، بشكل يحسن صورة الجماعة ويسيء إلى خصومها من المواطنين وسلطات الدولة التي تدافع عن الأمن.

انتقدت منظمة "اليونسيف" ما تقوم به الجماعة من أعمال استغلال للأطفال ضمن نطاق اعتصامي "رابعة" و"النهضة"؛ حيث تقوم الجماعة بجلب الأطفال وتصويرهم بالأكفان باعتبارهم "شهداء محتملين"، كما تجعلهم يتحدثون إلى وسائل الإعلام عن "رغبتهم في الشهادة" من أجل عودة مرسي.

تستخدم الجماعة النساء والأطفال كدروع بشرية، وتجعلهم في أول الصفوف، ثم تخرج في مسيرات إلى منشآت عسكرية حساسة، كما حدث في أحداث الحرس الجمهوري، أو تقرر قطع الشوارع وتطلق النيران على رجال الشرطة، وتنتظر الرد ووقوع أول ضحية في صفوفها، لتقوم بتصوير الجثث أو المصابين وإطلاق الصور في العالم.

يفيد حقوقيون بأن الجماعة تمنع دخول عربات الإسعاف إلى مواقع الإصابات بين أنصارها لـ"تزيد من عدد القتلى"، وأنها تفرض ضرورة تصوير كل مصاب قبل تلقيه العلاج، وفي أحيان عديدة تصر الجماعة على عدم نقل مصاب إلى العلاج في أقرب مستشفى، ليتسنى له الذهاب إلى مستشفى رابعة والخضوع للتصوير.

تحصل الجماعة على ما تريده من جثث في كل مرة تقرر ذلك؛ فمن السهل جداً أن تُقتل إذا قررت مثلاً أن تطلق النيران على ضابط أو جندي يحرس المخابرات الحربية أو الحرس الجمهوري، وكما يفعل "رامز عنخ أمون" تماماً، فإنها لا تهتم بدماء الضحية، بقدر ما تهتم بـ"عائدات الإعلان".

إنها صناعة للجثث والدماء والمجازر، تهدف الجماعة من ورائها إلى خلق مظلومية جديدة، تحسن شروط بقائها في الإطار السياسي المصري، وترفع الضغوط والملاحقات القانونية وتجميد الأموال عن قياداتها، وتضغط على النظام الجديد، وتعاقب الشعب الذي لفظها.

والواقع أن "رامز عنخ أمون" يخطئ كثيراً عندما يطيح بقيم كثيرة ليحقق عائدات إعلان مجزية، والجماعة أيضاً آثمة عندما تضحي بدماء المصريين لتحقق مكاسب سياسية ومصالح خاصة، لكن هؤلاء الذين يشترون "هلع رامز المصطنع"، و"مجازر الجماعة المختلقة" يجب أيضاً أن يلاموا.

* كاتب مصري

back to top