في المقالة قبل السابقة لي بعنوان «كوري يطعن... والحكومة مرتاحة!» طالبتُ الحكومة بالرد الفوري، سواءً بالنفي أو بالتصديق على ما أثاره سفير كوريا الجنوبية بشأن تدهور الاقتصاد الكويتي المتوقع في عام 2017، والذي نقله عن تقرير لصندوق النقد الدولي، نظراً إلى خطورة ترويج هذا الأمر على استقرار أوضاعنا المالية والثقة بها من المواطنين والمستثمرين، وكالعادة «طنشت» الحكومة طلبي أو كما يبدو، لم تقرأه، أو إنها سعيدة بترويج أن الكويت ستتحول إلى دولة فقيرة وعاجزة مالياً لسبب ما في نفس يعقوب، ولم تردّ على ما أثاره السفير الكوري وتقرير البنك الدولي الذي يختار الكويت دائماً من بين الدول النفطية الخليجية للتعليق على تفاصيل أوضاعها الاقتصادية ويتنبأ لها دائماً بمصائب مستقبلية!

Ad

وللأمانة فإن وزير المالية مصطفى الشمالي تحدث الأحد الماضي، وعلى هامش مؤتمر مصرفي عن متانة الاقتصاد الكويتي، دون أن يرد مباشرةً على تقرير البنك الدولي الذي أعاد مضمونه مرة أخرى نائب رئيس مكتب الشرق الأوسط ووسط آسيا لصندوق النقد الدولي أنانثا بريشادا، في نفس المناسبة التي تواجد فيها الوزير الشمالي، وكرر بريشادا نفس المخاوف عن الاقتصاد الكويتي، وهو الأمر الذي يجعل البلد في حالة من التشويش والخوف، بينما وزير التجارة أنس الصالح، في نفس اليوم وذات التوقيت، يعلن اتفاقه مع اللجنة المالية البرلمانية على إنشاء هيئة لتشجيع المستثمر الأجنبي!

حالة التشويش والضبابية حول مستقبل البلد المالي والاقتصادي، التي يبدو أنها مشهد حكومي مقصود، تتطلب تحركاً شعبياً وبرلمانياً في عدة أشكال، وحواراً حاجتنا إليه، كما أعتقد، أهم من أي حوار آخر في بلد تثار تساؤلات حول مستقبله القريب من عدة جهات جدية بداية من سفيرة الولايات المتحدة الأميركية السابقة في الكويت ديبورا جونز التي توقعت ألا تستمر الكويت حتى عام 2020 لأسباب اقتصادية، وتجاهلت الحكومة الرد عليها، وتحذيرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وعدة جهات أخرى تعزز هذه الاحتمالات الكارثية لمستقبل الكويت، بينما تتجاهل الحكومة الرد أو التوضيح وتترك الكويتيين يهيمون في معارض العقار يشترون المنازل في تركيا وكندا وحتى البوسنة، ويبحثون عن فروع البنوك الأجنبية لوضع الودائع ومدخراتهم تحسباً للمستقبل ولخلق شبكة أمان لهم، بينما يبحث المستثمر عن المشاريع "الطيارية” الخدماتية والاستهلاكية والمضاربية ذات الربح السريع التي تمكنه من إخراج أمواله بسرعة إلى خارج البلاد.

وفي خضم هذا الوضع والتحدي الذي يمسّ لقمة عيشنا، ألا يستدعي ذلك حواراً موسعاً لنصل إلى حلول تتعلق بسبل إنفاقنا وجدوى الإنفاق على مشاريع كبرى، ما دمنا مقبلين على سنوات عجاف كما تقول المنظمات الدولية دون أن تكذب ذلك حكومتنا العتيدة، وكذلك بحث قضايا كبيرة مثل الضرائب والرسوم، وكيفية لجم تنامي الأجور والسيطرة على خروج الأموال من البلد، وكذلك تحديات نمو إنتاج النفط الصخري ومنافسة نفوط غرب كندا للنفط الخليجي في الأسواق الآسيوية، كل هذه المخاطر أليست أحرى بحوار وطني ينعكس في تشريعات اقتصادية عاجلة لحفظ قوتنا عوضاً عن الجدل السياسي العقيم والتحدي العبثي بين كتل سياسية واقتصادية للقبض على مقدرات بلد يتجه نحو الخطر كما تشير الجهات الدولية التي لم تكذبها حكومتنا حتى الآن؟