«حذاء أسود على الرصيف»... رواية تُبحر في عالم الشركات الكبرى
إذا كانت القصة القصيرة لقطة أو لقطات ضوئية من حياتنا، فإن الرواية حياة كاملة، والكاتب هو البطل في عمله حيث يقوم بالأدوار كافة ويبتكر ملامح حياة وهو يضرب بأصبعه على حروف هذا الجهاز المعجزة اللاب توب، وينسى القلم والمحبرة في جانب معتم يشكو الوحدة. باسمة العنزي تدخل عالم الشركات الكبرى في {حذاء أسود على الرصيف}.
{حذاء أسود على الرصيف} رواية جديدة للكاتبة باسمة العنزي قد تكون هي الفائزة في المركز الثالث في جائزة {الشارقة للإبداع العربي} 2012، إلا أنها يفترض أن تحتل المركز الأول بجدارة على رغم يقيننا أن من تسلقوا المراكز الأولى قد لا يجارون العمل بشكله الإبداعي المتقن.المجاملة من الناقد أو المتلقي قد تقتل الإبداع، إلا إن الحقيقة تشرق بحروف فصول الراوية وتعلن أن العنزي قد تفوقت على نفسها بهذا العمل الذي لا يتجاوز عدد صفحاته 91 صفحة فقط، لهذا كان من السهل على المولع بالقراءة أن يسبح باستمتاع عبر الصفحات ليكتشف عالماً لا يستطيع إن يرسمه ألا من يعيش بقرب عالمه.
العالم الذي رسمته الكاتبة هو عالم الشركات الكبرى التي تلتهم كلّ من يقف أمامها من دون شفقة، لن يكون عالماً خاصاً ببلد ما أنما صورته متكررة في أنحاء كافة من على البسيطة، شركات كبرى قد تبتلع دولاً، فكيف لا تبتلع مجاميع من بني البشر الضعفاء أو حتى ترميهم في الطرقات بلا روح أو أمل وتبقى ملامحهم في سجلات كرتونية أو ملفات كمبيوترية. من الصفحات الأولى نجد مقدرة فائقة من الكاتبة على اختزال السطور لتجعل كل حرف ينبض بمضمون وقضية، وهذا ما يفتقده بعض الكتاب في أعمالهم الباهتة حيث تتحول السطور إلى رسم تشكيلي بلا روح ولا معنى. باسمة جعلت الحروف تنبض بآهات بشر، هؤلاء هم آلات ووقود ولهم عمر افتراضي.الأمان الوظيفيأرضية الرواية هي حياة شركة مساهمة تكبر وتكبر، حتى ترى في خفاياها شخوص و وجوه قد تجدها في عالمنا اليومي في القطاع الخاص، ترى الوجوه التي تأتي صباحا لتعمل إلا أنها في أخر الليل تفكر متى ستغادر حيث لا امن وظيفيا ولا استقرار لا لكبير أو صغير.شخوص رسمتها باسمة بدقة وباختصار حتى تحولت الرواية إلى فصول بصور وعنوان رواية مبهر {حذاء أسود على الرصيف} وهو ينم عن نهاية قد لا يتوقعها المتلقي.إعلانات تلك الشركة في كل مكان وزاوية تبهرك وتعيش معك، إلا أن في داخلها شخوص يعيشون معاناة البقاء بمحيط أسوار تزينها النخيل، وعاملين في بداية عمل من الاندفاع والحماسة. تبدأ شخوص الرواية من محيط القاع حيث جهاد تحمل حقيبتها وملفاتها وكتب عليها أن تعيش معاناة زوجها وهو من غير جنسيتها ومرضه، وكانت تحتاج إلى مشروب طاقة لتكون أكثر اندفاعاً لتحسن راتبها المتواضع. وعن والدها الفلسطيني الذي جاء إلى هذا البلد في الخمسينيات على أمل العودة ولم يعد.وتـأتي شخصية أمواج التي قد تجدها في حياتنا حيث يكون اندفاعها على قوة شخصيتها وانبهار الجميع بها وجمالها وحضورها السينمائي وحقيبتها ماركة {سيلين}، وإن أخذت مكان سليمان الذي غادر الشركة من دون مبرر.شخصية محوريةقد يكون الدكتور فايز شخصية محورية لنجاحات آفلة في عالم المال إلا أنه قد يلاحق الحظ كما الحظ يلاحقه، حيث يعيش تحت جلباب الرجل الكبير أبو طارق، والحديث المبهر بينهما عن النجاحات والتوسع والاستحواذ والهيكلة وتوسيع رقعة الإمبراطورية والخيول.شخصية زيد تراها في كل مكان حيث هو الملتصق بالكبار بدواوينهم ورحلاتهم وضحكاتهم، ورجال الأمن حيث الكل يتعاطف معهم فهم إما من شعبيات الصليبية أو تيماء حيث ملفات موقوفة إلى أبد الدهر، تحمل معاناة أجيال وأجيال، أحدهم مهدي وأمه الكويتية ووالده جاء من الشمال ليتحول إلى عسكري. ويبقى مهدي يطارد الأمل وملامح أمواج وهو يرقب كل صباح سيارتها الرنج روفر.لن نطيل ونكشف سر اللعبة التي أدارتها الكاتبة بإتقان، وحملت في طياتها ملامح هيكلة شركة ومغادرة وجوه ودموع على الورق، ومحاباة تخرق القوانين والنظم ونجاحات وانكسارات للكبار والصغار.في نهاية الرواية، ملامح الجوهرة والبدرة وتلاشي العطاء قد يحمل شكلاً رمزياً لما تود أن تقوله الكاتبة، وجهاد وحذاء على الرصيف يمثلان أبداع الكاتبة في نقل هم ذلك الإنسان البسيط حيث في النهاية ستكون الأبواب مشرعة لخروجه حتى من دون أن يذكر الرفاق ملامحه بعد حين عندما يغادر الأسوار.تفوقت باسمة العنزي على نفسها في تقديم عمل روائي يحمل مضامين معاصرة نتعايش معها إلا أننا نتردد من أن نبوح بها على الورق، باسمة فعلت ذلك ليكون عملها نموذجاً لمن يريد أن يتعلم فن الرواية الذي يتفاعل مع المتلقي.