ما يشغل بال التربويين الأميركيين راهناً هو كيفيّة جعل أطفالهم يتمتعون بثقافة عالمية تؤهلهم للتعامل مع مختلف أجناس البشر وألوانهم، ومع سائر الديانات التي يعتنقونها.

Ad

واتفق بعض المؤسسات الكبيرة التي تتعاطى شؤون الأطفال على توزيع مهامّها وإجراء الدراسات الميدانية في كل ما يتعلّق بالنمو العقلي والعادات التي يمارسها الطفل منذ صغره، وقدرته على التكيّف واكتساب المهارات وتنميتها لأجل وضع أفضل له وللمجتمع الذي يرعاه.

ألوان وأجناس

أوّل ما يستدعي انتباه الطفل هو اللون ثمّ الشكل، وقد بيّنت الدراسات في هذا الإطار كمّاً كبيراً من وقائع تثبت أنّ الطفل يسأل أهله دائماً عن سبب لون رفيقه الذي يختلف عنه، أو عن شكل أنفه الأفطس، أو عن شعره المجعّد، أو عن عينيه اللتين تشبهان كرتين صغيرتين. ومن المعروف أن أميركا تحتوي على 95 مليوناً من مختلف أجناس البشر، فهناك الأوروبيون والآسيويون والأفارقة وغيرهم، ولكل من هؤلاء لون وتقاسيم وجه تختلف عن الأميركيين.

وهنا يأتي دور المربّين والأهل في اعتماد التعابير المناسبة والتصرفات اللائقة لإفهام الصغير بأن ما يراه مختلفاً في الظاهر لا يغيّر أبداً في الجوهر، وهذا الصغير ذو اللون المختلف يفكر ويشعر ويعمل ويأكل ويلعب ويشرب كما تفعل أنت. وإذا نظرت إلى بعض أصناف الحيوان كالبقر أو الغنم أو الدجاج فإنك ترى بعضها لونه أسود وقسماً آخر لونه بنّي ومنها ما هو أبيض وجميعها يعيش معاً بهدوء تحت سقف واحد.

ولترسيخ هذه الفكرة في أذهان الجيل الصاعد عمدت المؤسسات الإعلامية والتجارية إلى التنويع في اختيار موظفيها، وإذا بمحطات التلفزة مثلاً توظف صينياً لقراءة الأخبار وأفريقياً للنشرة الجويّة وأوروبياً لإدارة برنامج للألعاب، عدا عن الإعلانات التي غدت تنوّع كثيراً في جنسيّات أشخاصها حتى بات الوجه الأميركي نادراً ما تراه بينها.

الدين

لا تتخذ التربية في الولايات المتحدة عموماً طابعاً دينيّاً إلا عند بعض الجماعات المتطرفة، فعلى الصعيد الرسميّ لكل فردٍ الحق بممارسة الدين الذي يريده، وتبقى له الحقوق والواجبات نفسها من دون أيّ خلل أو نقص.

لكنّ الظروف التي مرّت بها البلاد إثر حادثة البرجين وتنامي الإرهاب في العالم وحصول الكثير من التفجيرات المأساوية جعلت فئات كبيرة من الشعب ترتدّ إلى دينها وتتخذ موقفاً متشدّداً من غيرها، ما انعكس على الجو العائليّ في البيت فأثّر سلباً على علاقات الأولاد بزملائهم من الدين الآخر. وكان لا بد للمربين من أخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار فبادروا إلى ترميم ما انشعر من العلاقات وترطيب الأجواء بابتكار الملصقات التي تدعو إلى السلام بين الأديان وبإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات التي تدعو إلى التآفي واحترام الرأي الآخر.

وتوجّه بعض المؤسسات نحو ميدان النشر للأولاد والناشئة فأعدّ الكتب الزاخرة بالصور والنصوص التي تدعو إلى المحبّة والأخوة بين جميع الأديان، خصوصاً الإسلام، وهكذا فعلوا أيضاً في حقل الألعاب التربوية.

وضع الاختصاصيّون على قائمة أعمالهم وفي صلب إرشاداتهم أنّ الطفل الأميركي كي يصبح مثقفاً ثقافة عالمية شاملة ينبغي أوّلا وقبل أي أمر آخر أن يتعلّم احترام رفيقه من أيّ لون أو أيّ جنس أو أيّ دين يختلف عنه. وعندما يتكوّن لديه منذ الصغر هذا الاقتناع فإنه سيتعامل مع الآخرين من دون أي تعالٍ أو أيّ خوف.

الجغرافيا والتاريخ

ينصرف بعض المهتمين بنمو الولد إلى جانب آخر لا يخلو من أهمية، إذ يتناولون مادة الجغرافيا بأسلوب مشوّق جدّاً إن عن طريق الكتب ومن أشهرها مجموعة «حول العالم في كتب؟ أو عن طريق الألعاب أو عبر شاشة التلفزيون من خلال إعداد برامج جغرافية تعرّف الصغير إلى المواقع والأمكنة الأثرية مروراً بالغابات والصحارى والجبال والبحار، وتدخل معه إلى المعابد والبيوت والمساحات وحدائق الحيوان، فتتكوّن لديه معرفة واسعة عن البلدان والشعوب وعاداتها.

أما على صعيد التاريخ فقد عاد البعض إلى الحضارات القديمة ليشتقّوا منها بتصرف قصصاً تدعو إلى البطولة والتضحية والشرف، كذلك شرحوا أسباب الحروب ومضارّها على الإنسانيّة، وركزوا على العظام والمشاهير إلى أيّ منطقة انتموا.

أساليب التعليم

لا قاعدة لدرس من الدروس على الصغير أن يتعلّمها مسبقاً، فهذا أمر مرفوض وغير منطقي. ففي أي مادّة من موادّ التعليم ثمة طرق وأساليب متنوّعة للوصول إلى القاعدة من دون أي مجهود.

من خلال أسئلة واضحة حول الرسوم، أو من خلال التلاعب بالألوان وتشكيل الخطوط، أو الإجابة عن «حزازير» مشوّقة يصل التلميذ إلى قاعدة الدرس مرتاحاً ومبتهجاً.

ومن صلب التعليم المدرسي زيارة المتاحف والمصانع وحدائق الحيوان، وفي مقدّمته أيضاً الرياضة اليومية والاحتكاك العملي بالطبيعة ودراسة عواملها، ناهيك بالتعرف إلى خفايا الكون وارتياد الفضاء.

وسائل حديثة

يتمتّع بعض المدارس التي تعنى بالناشئة بأحدث وسائل التكنولوجيا من آلات تصوير وبثّ بالأبعاد الثلاث (3D)، فالصغير يشاهد أمامه الأشياء بحجمها الطبيعي من مختلف وجوهها فيصبح الدرس الذي يلقيه المعلم مشهداً حياً ينطبع فوراً في الأذهان، ويرافق هذا البثّ تسجيلات تسهب في الشرح والتوضيح.

أما على صعيد الإنترنت فمن النادر ألا يقتني التلميذ آلة كمبيتور أم IPAD يجلبه معه إلى المدرسة. وفي هذا المجال فإن البرنامج الدراسي الذي تضعه إدارة المدرسة سنويّاً لجميع المواد منزل على موقع المدرسة ليتمكن الأهل من مراجعة برنامج ولدهم يومياً من دون سؤاله. والبحث على الإنترنت أيضاً أمسى من البديهيّات التي يعرفها.

المتفوّقون

من هؤلاء الصغار الذين يتدرّبون منذ حداثتهم على احترام الآخر مهما تعدّدت مشاربه، ويتعرّفون إلى سائر الشعوب وتاريخ أوطانهم، ويتلقون العلم بأحدث الوسائل وأسرعها، من بين هؤلاء التلامذة تنتقي الإدارات المدرسية أبرز الناجحين وتتعهدهم في صفوف خاصة وحصص دراسية مكثفة وتراقب أنشطتهم الرياضية والفنية إلى أن يبلغوا مرحلة التخصص فتساعدهم للتوجّه إلى ما يرغبون فيه. وفي النهاية، كل تلميذ من هؤلاء يتهيأ له مركز لائق بذكائه واختصاصه لينطلق بعدها إلى خدمة وطنه.