العواصم الخليجية والثقافة العربية
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
إن انشغال العواصم العربية الثقافية الأهم، كالقاهرة ودمشق وبغداد وبيروت وتونس والجزائر، وحتى الرباط والمنامة وصنعاء وعمّان والخرطوم بالحدث السياسي اليومي المتفجر والدامي، أثّر بشكل ملحوظ على الإبداع والمبدعين، وصرف عدداً كبيراً من الناس عن القراءة، وأظن أن النقد كان أحد أكثر الدوائر تأثراً وخسارة بهذا الوضع. فلقد غدا شيئاً من العبث إيصال كتاب، رواية أو قصة أو شعر، لناقد يموت أبناء شعبه أمام ناظريه كل ساعة، والطلب إليه قراءة الكتاب والكتابة عنه. نعم مازال هناك من يقرأ ويكتب، ولكن نعم أخرى كبيرة بأن نضال ودماء الشعوب العربية الطاهرة هي أكثر استحقاقاً للانشغال بها، والانخراط في خضم عالمها المتفاعل!لكن للمشهد العربي الدامي هذا وجهاً آخر مهماً، يتجلى في قدرة العواصم العربية الأخرى، وتحديداً العواصم الخليجية، كالرياض والكويت وأبوظبي ودبي والشارقة والدوحة ونوعاً ما عُمان، قدرتها، منفردة أو مجتمعة، على تعويض شيء من الخسارة التي لحقت بالثقافة العربية، وكسر مقولة المركز والهامش أو الأطراف، وتأكيد حضورها كعنصر فاعل في المشهد الثقافي العربي. فلا أظن أن أيا من العواصم الخليجية بات هامشاً أو طرفاً في زمن العولمة والإنترنت وثورة المعلومات والاتصال. وأنا متأكد من قدرة أي من هذا العواصم على تقديم جهد حقيقي مؤثر في المشهد الثقافي العربي. ليس فقط في رصد وتقديم الجوائز، رغم أهمية هذه الجوائز والحراك الكبير الذي فعلته وتفعله على ساحة الإبداع في الوطن العربي، ولكن إثبات القدرة على تقديم جهد ثقافي حقيقي يساعد على لملمة مفكري ومبدعي ومثقفي الوطن العربي، وفتح قنوات تواصل معهم، وإشراكهم مع زملائهم من مفكري ومبدعي الدول الخليجية على بلورة رؤية إبداعية ثقافية تواكب حال الإنسان العربي، وتقدم شيئاً من النتاج الأدبي المبدع القادر على أن يكون لسان حال المشهد العربي وهو يمرّ بواحد من أهم المنعطفات الصعبة في تاريخه الحديث.نحن جيل فتّح عينيه ووعيه على مقولة وحدة الوطن العربي، وواضح للعيان لم يبقَ من وحدة هذا الوطن إلا الثقافة والوصل الثقافي، وأظنها فرصة تاريخية نادرة للأقطار الخليجية لتعلن نفسها حاضنة للمشهد الثقافي والفكري العربي.